رأيصحيفة البعث

العشائر العربية.. ثورة حقيقية

فايز طربوش 

يتصاعد الغضب الشعبي العارم في مناطق سيطرة ميليشيا “قسد” الانفصالية، شمالي وشرقي سورية، وتتسع التظاهرات ضد ممارسات الميلشيات، التي رهنت نفسها لمخططات تحالف العدوان الصهيوأمريكي الهادفة لتقسيم الأرض السورية وتفتيت الدولة الوطنية، وخاصة في منبج وريفها، وذلك بعد استشهاد وإصابة 39 مدنياً، بينهم أطفال، من أبناء عشائر البومنا والبو سلطان وغيرهما من العشائر العربية، الأمر الذي لاقى صداه الواسع لدى العشائر العربية السورية في مدينة حلب وريفها والجزيرة، والتي أمهلت “قسد” حتى يوم السبت المقبل للخروج بشكل كامل من المدينة ومحيطها، دون أي شروط مسبقة، وتسليم إدارتها لأبنائها حصراً استعداداً لعودة مؤسسات الدولة الوطنية، مهدّدة بانتفاضة مسلّحة، وبدخول المدينة لمساندة أهلها، ودعت جميع أبناء العشائر  الذين جندتهم الميليشيا للانشقاق عنها فوراً، والالتحاق بصفوف الجيش العربي السوري، الضامن الوحيد لوحدة سورية والقادر على حماية حدودها مواجهة أي اعتداء خارجي.

يؤكّد ذلك كله أن ثورة حقيقية تتراكم، خاصة إذا رُبطت تطوّرات الأحداث في منبج، وتحرير أبناء القبائل عدّة قرى وبلدات في محيط المدينة، وعمليات الانشقاق الجماعية لأبناء القبائل العربية عن الميليشيا العميلة، والبيان الأخير للقبائل والعشائر والنخب الوطنية، بالعمليات العسكرية الخاطفة التي استهدفت وتستهدف “قسد” يومياً في منطقة الجزيرة خلال الأشهر الماضية، وإدلاء أبناء العشائر بأصواتهم وبكثافة في الانتخابات الرئاسية رغم محاولات القمع الأمريكية؛ وهذه الثورة ستعمل على إعادة توجيه البوصلة باتجاه موقعها الوطني، وطرد الميليشيات الانفصالية والإرهابية، بمختلف مسمياتها، والاحتلال الأمريكي والتركي من كل بقعة من أرض سورية المقدّسة، ليعلو فوق ذراها العلم الوطني السوري، الجامع لكل الوطنيين السوريين.

انتفاضة منبج الشعبية ضد الميليشيا الانفصالية لم تأتِ من أجل إلغاء “التجنيد الإجباري” أو توفير المازوت والبنزين والخبز، كما يحاول الإعلام الناطق بالعربية الإيحاء بذلك، بل من “أجل إخراج الغرباء من ديارهم وديار أجدادهم كما فعلوا مع الفرنسيين والعثمانيين”، وغيرهم من قوى الاستعمار، في تعبير، ولا أبلغ، عن حقيقة الشعب السوري المتمسّك بسورية الواحدة الموحّدة بكل مكوّناتها، والتي دفع أثماناً باهظة، في سبيل الدفاع عنها، طيلة السنوات الماضية، من دماء أبنائه وبنى تحتية بناها. ولتثبت تلك الانتفاضة مجدداً أن “الشعب السوري هو شعب واحد، في خندق واحد، في مواجهة الإرهاب والعمالة والخيانة”.

محاولات الميليشيا الانفصالية وداعمها الأمريكي إحداث شرخ وخلق فتنة، عبر عقد الانفصاليين اتفاقات مع ما يمكن تسميته “مشايخ الأزمة”، لن يكتب لها النجاح، فهؤلاء المشايخ ليسوا أكثر من “مرتزقة ومرتكبي جرائم وفارين من وجه العدالة”، و”لا يمثّلون العشائر، ويعملون لأجندات خارجية. نحن لا نعترف بأي فصائل أو أي دولة أتت إلى بلدنا بغير إرادة الدولة السورية”، حسبما يؤكّد أبناء العشائر الحقيقيون، والذين يشددّون على أن “الثورة سوف تتواصل وتمتد لتطال الأمريكي وأي محتل كان”.

منبج، كما كل بقعة من أرض سورية الطاهرة، عربية سورية، شاء من شاء وأبى من أبى، وستعود إلى حضن الوطن عاجلاً وليس آجلاً، بهمة الشعب السوري الأبي، والجيش العربي السوري الباسل، والدولة الوطنية الحاضنة لكل أبناء الوطن، والدليل على ذلك أن أبناء المدينة، بقواهم الذاتية، تمكّنوا خلال سويعات من تحرير قرى “الجات” و”الحية” و”الهدهد” و”الخطاف” و”الترسان”، و”تل الرفيع” و”الهوشرية”، و”الياسطي” و”معمل الزعتر”، والأخير يعد مقراً استخباراتياً هاماً لـ “قسد”، وهم اليوم مصممون أكثر من أي وقت مضى على استكمال انتفاضتهم، حتى تحرير مدينتهم من الغرباء، وعودتها إلى حضن الوطن، فرغم استقدام “قسد” تعزيزات عسكرية كبيرة وإطباقها الحصار على المدينة، إلا أن الحراك ما زال يتصاعد، أفقياً وعمودياً، والأهم الدعم العشائري اللامحدود له.

الاحتلال، سواء أكان أمريكياً أم تركياً أم صهيونياً، وأزلامه وأدواته، بمختلف مسمياتهم، إلى زوال، مثلما زالت قبلهم كل الاحتلالات السابقة وانتصرت سورية، وعلى كل من غرّر به واستغل ليكون ضد أبناء بلده، أو راهن على المحتل لتحقيق مصالح أو مطامح ضيّقة، العودة عن غيّه، فالشعب السوري الأبي لم ولن يقبل بوجود أي محتل على أرضه، ولن يقبل بسورية إلا واحدة موحّدة، “مهما كثُرت النزالات، واشتدت الخطوب”.