ثقافةصحيفة البعث

“الكتاب” أزمات متلاحقة فتكت بصناعته

هاجم د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب في لقاء ندوة “شآم والقلم” الشهري والذي عُقد في المركز الثقافي في أبو رمانة وحمل عنوان “الأزمة الاقتصادية وصناعة الكتاب” بعضَ أصحاب دور النشر في سورية الذين تحولوا إلى تجار كتب ويطبعون كتباً لا تمتّ للثقافة بصلة على الرغم من وجود كتّاب جيدين وحقيقيين ولا يوجد ناشر يقوم برعايتهم، مطالباً بالعمل على تنقية هذه المهنة وصنّاعها ومعاقبة المرتزقة منهم لأن الناشر يجب أن لا يكون مجرد تاجر، خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها سورية وهي من أخطر المراحل في تاريخها، مشيراً إلى أنه أصبح لدينا شعراء لا علاقة لهم بالشعر وكتّاب لاعلاقة لهم بالكتابة بفضل أصحاب بعض هذه الدور، في حين أن دورهم يجب أن يقوم على إيصال الكتاب الجيد للقارئ من خلال تسويقه بشكل جيد، مبيناً أن المؤسسات الحكومية تقوم على صناعة الكتاب ونشره بهدف تثقيف المجتمع ولذلك هي لا تفكر بالربح المادي، وهذا واجب تقوم به، ومن هنا كانت مبادرة اتحاد الكتّاب العرب مؤخراً في بيع ما هو موجود في مستودعاتها بسعر رمزي للغاية ولا يخفي أن الكثير من تجار الكتب حاولوا شراءها إلا أنه رفض ذلك لأن هذا الأمر سيبعد الاتحاد عن الهدف الذي وجِد من أجله، موضحاً أن الاستثمار في الثقافة يقوم على توفير الكتاب لكل محتاج له، لذلك تم افتتاح مكتبات في مناطق نائية وهو استثمار في الثقافة لأنها تساهم في تثقيف جيل كامل، ورأى أن الناشرين يجب أن يفكروا انطلاقاً من هذا المفهوم وليس من مفهوم التجارة فقط، وهذا يتطلب تضحيات كبيرة من قبلهم.

وضع كارثي

شارك في اللقاء الذي أدارته الإعلامية فاتن دعبول: د.حسام الدين خضور، الأستاذ هيثم الحافظ، د.مصطفى الكفري الذي أكد أن صناعة الكتاب والنشر تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية عام 2009 وكذلك في سنوات ما يسمى (الربيع العربي) بشكل كبير، وقد خرجت من سوق النشر دول مثل العراق وليبيا واليمن، وتراجعت في دول أخرى كسورية والجزائر، وهذه الدول كانت سوقاً مهمة للناشر العربي وصناعة الكتاب، مشيراً إلى أن دور النشر الكبيرة كانت أكثر تضرراً من الصغيرة بسبب كلفتها التشغيلية العالية لتكون المحصلة العامة من هذه الأزمة وضعاً كارثياً تعانيه دور النشر في الدول العربية ومن خلفها الكتّاب بعد أن تم تقليص الميزانيات وخروج العديد من المكتبات والموزعين من الصناعة وتفاقم مشكلة التوزيع التي يعاني منها الناشر العربي منذ عقود، موضحاً الكفري أن هذه الصعوبات تفاقمت مع أزمة كورونا وهي صعوبات كانت موجودة بالأصل في الوطن العربي لأن عادة القراءة ليست أصيلة بالنسبة للقارئ العربي وبسبب ارتفاع نسبة الأمية التي أدت إلى تقليل الكميات المطبوعة إلى جانب عدم وجود قاعدة بيانات قرائية وقلة المشاريع الثقافية التي تحفز على القراءة، وقلة منافذ البيع وعدم اهتمام الحكومات العربية بالمكتبات العامة والمدرسية والجامعية وفرض ضرائب باهظة لأن بعض الدول ترى أن دور النشر تمارس عملاً تجارياً، مبيناً الكفري أن وباء كورونا فتك بصناعة الكتاب لأنه تسبَّب بإلغاء العديد من المعارض الهامة التي تمثل الدخل الأساس لأغلب الناشرين مما أدى إلى تعثر صناعة الكتاب وإحجام الناشرين عن إصدار عناوين جديدة فتراجعت مبيعات الكتب بنسبة 80% في حين توقفت الطباعة تماماً، ومع استمرار وباء كورونا رأى الكفري أنه وفي سعيها لإيجاد حلول لجأت بعض دور النشر إلى تنشيط السوق المحلية والبيع إلكترونياً وتخفيض ثمن الكتاب وإجراء حسومات عليه، مع إشارته إلى حرص دور النشر على الاستمرار في صناعة الكتاب والنشر لإيمانه وإيمانهم أن الكتاب الورقي باقٍ ولن يستطع الكتاب الالكتروني إلغاءه، والسبب خاصيته ورمزيته، إضافة إلى أن الناشر يعتمد على التسويق المباشر من خلال المعارض التي تُعتبر مهرجانات ثقافية يشارك فيها القراء والمؤلفون من خلال الندوات وحفلات التوقيع، وهو ما يفتقد إليه أيضاً الكتاب الالكتروني.

وختم الكفري مشاركته مؤكداً أن تعافي صناعة الكتاب والنشر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعافي العام، وشروطه غير متوفرة حالياً وفي الأفق المنظور، ومسألة عودة الروح لصناعة الكتاب والنشر تتوقف على إرادة الحكومات والناشرين والمثقفين في دعم صناعة الكتاب التي تُعد من أهم الصناعات التي مهمتها زيادة الوعي وتثقيف المواطن العربي.

صناعة الكتاب

وأشار د.حسام الدين خضور إلى وجود مؤسسات عامة مثل وزارة الثقافة-الهيئة العامة السورية للكتاب-اتحاد الكتّاب العرب-وزارة التربية والجامعات السورية الوطنية تساهم في صناعة الكتاب بكل أشكاله، منوهاً إلى أن الهيئة العامة السورية للكتاب تنتج الكتاب الورقي والالكتروني والمسموع، ولا يخفي أن صناعتها للكتاب قد تأثرت خلال الحرب ولكن دون أن يقل إنتاجها، والتأثير الكبير الذي عانت منه في صناعة الكتاب عدم وجود الورق وحصر استيراده بمؤسسة الوحدة، الأمر الذي جعل المؤسسة تلجأ إلى إصدار دورياتها الكترونياً، وقد عاد بعضُها إلى الإصدار الورقي تباعاً، وبالتالي فقد كان التأثير على صناعة الكتاب والنشر عموماً ملموساً، حيث نقلت دور نشر في سورية عملها من دمشق إلى بعض الدول العربية، ولاسيما إلى بيروت بسبب الضرر الذي أصاب مطابعها التي كانت تنتج الكتاب، وتابعت هذه الدول نشاطها في تلك الدول، ورأى خضور أن الكتاب الورقيّ مايزال في الصدارة، وبتقديره ستتراجع هذه الصدارة تدريجياً أمام الكتاب الالكتروني الأقل تكلفة، ورأى أن أحد أسباب نجاح دور النشر هو اختيارها للكتاب الجيد الذي يعتمد على الفكر الذي يقدمه المؤلف، فبمقدار أهمية ما يقدمه سيجد قارئاً، منوهاً إلى أن استمرار بعض الدور في ظل الأزمات الحالية من حرب ووباء كان بفضل حصولها على حقوق حصرية للكتاب المهمين على الصعيد العالمي.

أزمات متعددة

وبيَّن رئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم الحافظ أن الأزمة المالية العالمية والحرب على سورية وأزمة كورونا أثرت على صناعة الكتاب والنشر، ورأى أن صناعة الكتاب متكاملة والمشكلة الكبرى برأيه التي تواجه هذه الصناعة ليس في سورية فقط بل في الوطن العربي والتي جعلت الأزمة أكثر تعقيداً غياب المحتوى الهام العنصر الأساس في صناعة الكتاب، وهذا ما يحفّز اتحاد الناشرين لتأسيس تعاون مع اتحاد الكتّاب العرب لحلّ هذه المشكلة لأن وجود عشرات الكتّاب المتميزين يمكنه إغراق السوق بإنتاجاتهم دون أن ينفي وجود كتّاب مهمين في سورية قصر الإعلام برأيه في التعريف والترويج لهم كما يجب، لذلك فإن صناعة النشر تحتاج إلى تطوير صناعة الكاتب، وهذا الأمر يحتاج إلى المال وبذل الجهود الكبيرة، وأسِفَ لوجود شركات كثيرة ترعى المباريات ولا ترعى كاتباً، كما لم يخفِ أن القرصنة أثرت كثيراً على صناعة الكتاب والنشر في الوطن العربي عامة وسورية خاصة، وقد ساهمت الحرب في تفاقم هذه المشكلة لصعوبة ردع المقرصنين في مثل هذه الظروف على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها اتحاد الناشرين بالتعاون مع حماية حقوق المؤلف في وزارة الثقافة إلا أنها مازالت نشطة مع انتشار ثقافة الاستباحة، مؤمناً أن محاربة القرصنة تحتاج إلى جهود مجتمعية إلى جانب وجود قوانين رادعة لحماية الإبداع وحثّ الكتّاب على الإنجاز، موضحاً أنه مع الأزمات المالية والصحية والحروب تأثرت هذه الصناعة وسقطت دور نشر كبيرة ، أما في سورية فقد تابعت بعض الدور عملها من خارج البلاد تحت مظلة اتحاد الناشرين السوريين، ومن بقي في سورية من دور نشر تابع عمله تبعاً للظروف دون أن تتوقف عن النشر الذي هو استثمار اقتصادي مثل أي صناعة أخرى، وهي تعدّ من أرقى الصناعات التي تحتاج الحماية، ولولا أزمة كورونا والحرب لكنّا من الدول المتطورة فيها، والمطلوب اليوم إيجاد الوسائل والسبل التي تسهل عودة الروح إليها.

أمينة عباس