اقتصادصحيفة البعث

الصحة قبل المال..؟!

قسيم دحدل 

مثلي مثل الشريحة العظمى من المستهلكين التي أصبحت تتحيّن السعر المناسب للمادة الغذائية اللازمة لاستهلاكنا اليومي والشهري والموسمي منها، مرد هذا التحيّن مبلغا الدخل الشهري والسنوي اللذان باتا عاجزين عن تأمين حد الكفاف من أساسيات الغذاء اليومية والسنوية!

فوق هذا الهم المستدام بثقله المادي والصحي والنفسي، باتت معادلة “العقل السليم في الجسم السليم” مهددة إلى حد كبير وبعيد في أنبل أهدافها وهما: الصحة المجتمعية، والقدرة الاقتصادية الوطنيتان نتيجة لما يرتبه هذا من أعباء مالية ضخمة على الخزينة العامة، تتمثّل بزيادة مضطردة في الموازنات المالية السنوية للدولة.

المهم فيما نريده من هذا المقام المؤسف والمقال الرسالة التي تكتسي صفة العناية المشددة، وهي الإجابة عن سؤال بات يقضّ مضاجع صحتنا وجيوبنا وجيوب خزينتنا وهو: كيف لنا أن نأمن ما نأكل من منتجات، في ضوء ما تُعلن عنه الصفحات الرسمية لمديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك يومياً من ضبط وضبوط لمواد ومنتجات وسلع مخالفة للمواصفات أو دون مواصفات، أو عدم صلاحيتها للاستهلاك، يذهل العقل من فداحتها، وفداحة فعل من يُفترض به أن يقدم لأبناء وطنه منتجات وسلعاً غذائية تحصن جسد هذا الوطن وعقله؟!

هنا إليكم ما طالعتنا به آخر الأخبار في هذا المضمار، ونأمل ممن يقرأ أن “يربط العقل” فيما سمعنا وسيسمع.

أكبر شركة للأغذية في العالم ” نستله” تعترف بأن  أكثر من 60% من منتجاتها الغذائية والمشروبات السائدة لا تتوافق مع التعريف المتداول للصحة؟!.. أمر مفاجئ حقاً وغير مسبوق، فهذه الشركة التي تطرح في الأسواق العالمية أكثر من ألفي منتج أكدت حقيقة أن نسبة كبيرة من الأطعمة والمشروبات، لاسيما المحفوظة، غير صحية، على الرغم من كل التحديثات التي تفرضها مؤسسات الأغذية بشكل عام على منتجاتها هذه، علماً بأن هذه الشركة أكدت أن منتجات الغذاء والمشروبات الخاصة بالأطفال تحتفظ بالفعل بمستوى صحي عال.

اللافت أن 70% من منتجات “نستله”، باعترافها طبعاً، فشلت في تحقيق الحد الصحي الذي يقف عند عتبة 3.5 نجمة من 5 نجوم، كما أن منتجات المياه والألبان تصدرت أعلى مستوى على المؤشر الصحي لمجمل منتجات الشركة التي توظف عالمياً أكثر من 291 ألف شخص، وتصل قيمتها الحقيقية إلى نحو 100 مليار دولار.

واللافت أيضاً حقاً أن الشركة وصلت إلى هذه النتيجة الصادمة في ظل تحسينات متتالية أدخلتها على منتجاتها، ما يعني أن هناك حلقة مفقودة لابد للمختصين من العثور عليها، فالتكاليف المالية التي تتكبدها الحكومات حول العالم من الأمراض الناجمة عن الأغذية غير الصحية تتعاظم، وتنفق الدول نسبة كبيرة من ميزانياتها المخصصة للصحة على علاج الحالات المرضية الناجمة عن تناول الأغذية غير الصحية.

ولأن الأطعمة المصنعة بشكل عام ليست أفضل من الأطعمة الطبيعية، لذلك فإن الأمر يتطلب مزيداً من الدقة والرقابة والابتكارات لجعل “المصنعة” أكثر صحية، خصوصاً أنها باتت ضرورية من حيث سهولة وصولها إلى المستهلكين.

وعليه فالعمل المطلوب في المرحلة المقبلة هو أن ترفع مستويات كل الأطعمة المصنعة إلى الحد الصحي الذي تطالب به كل المنظمات المختصة حول العالم، فتوفير أطعمة بهذا المستوى لا يحمي صحة المستهلكين فقط، بل يوفر على خزائن الدول كثيراً من الأموال التي يمكن تحويلها في مجالات علاجية أخرى باهظة التكاليف.

والسؤال هنا: إذا كان المستوى الصحي لمنتجات شركة عملاقة كـ “نستله”، عند هذا الحد المتدني، فكيف الحال بمؤسسات مشابهة أخرى أقل حجماً و.. لا تخضع للمعايير الصحية المشددة؟!

Qassim1065@gmail.com