تحقيقاتصحيفة البعث

عندما تحرك الأسماء التجارية لشركات الأدوية مخاوف.. غير مبررة!!

دمشق- ميادة حسن

بات افتعال الأزمات في السوق أسلوباً متعمداً عند بعض الشركات التي تعوّل على غياب المعلومة عن المواطنين، وتكمن الخطورة في أن تكون طبيعة عمل تلك الجهات مرتبطة بصحة وسلامة المواطن، أي ما يتعلق بمهنة الطب والصيدلة، وهنا نذكر بضجيج شركات الأدوية حول ما تثيره من فوضى وخلافات لرفع سعر الدواء والتهديد بانقطاعه وعدم توفره في الفترة القادمة، في حال لم يتمّ الخضوع لنواياهم في رفع الأسعار، ولن نخرج عن واقع عمل تلك الشركات وواقع الصحة في بلدنا، بل على العكس تماماً سنتحدث بكل قوة وجدية عما يدور في كواليس تلك الشركات، وكيف يتحول المريض إلى مجرد مستهلك بالنسبة لهم يساهم برفع نسبة المبيعات، والأبشع من ذلك أنه يتحوّل إلى ضحية التنافس غير الشريف لتلك الشركات.

بدائل

يرى العديد من الصيادلة أن المريض يخضع لكل ما يقرره الطبيب، ومع اعترافنا بحرفية العديد من الأطباء، إلا أن هناك بعض الثغرات التي لا يمكن أن نتجاوزها من ممارسات خاطئة يمارسونها بقصد أو من دون قصد، كإلزام المريض بنوع من الدواء تحت مسمّى الشركة المصنعة له، وبمعنى أدق إلزام المريض بدواء ما رغم وجود العديد من البدائل له، وكلمة بدائل هنا بحسب الصيدلانية سميرة عزيزة لا تعني كلمة بديل “دواء مختلف” وإنما هو الدواء نفسه لكن لشركة أخرى يحمل اسمها، حيث التركيبة الطبية لهذا الدواء هي ذاتها، لكن الاسم يختلف فقط، إلا أن معظم المرضى ونتيجة لعدم الوعي أو التزاماً منهم برأي الطبيب يلحون على اسم الشركة دون الأخذ بالاعتبار وجود التركيبة نفسها باسم آخر، فمعظم الصيادلة يقفون عاجزين تماماً عن إيصال فكرة توفر الدواء باسم شركة أخرى وبنفس القيمة الدوائية والتركيبة الطبية، لذلك فهم يخضعون لرغبة المريض وإصراره الخاطئ. تقول عزيزة إن الصيدلاني يملك خبرة أكبر من الطبيب في تحليل الدواء واختياره ومعرفة أصنافه الموجودة في الأسواق، إلا أن طريقة الأطباء في فرض اسم شركة على أخرى للمريض تمنع الصيدلاني من أخذ القرار المناسب للمريض وإعطائه الدواء اللازم، وهذا يؤدي إلى تكديس الأدوية على الرفوف دون الاستفادة منها ويخلق أزمة حقيقية للمريض في بحثه عن الدواء نتيجة تعنّت الأطباء في كتابة وصفتهم الطبية.

انقطاع وهمي 

لم يقف الصيادلة فقط ضد إصرار الأطباء على التحيّز لشركة دون أخرى، فجميع الجهات المعنية بتوفير الدواء للمواطن باتت متحيرة من هذا السلوك الذي يشكل أزمة دواء وهمية!.

نقيب صيادلة سورية وفاء كيشي صرحت لـ “البعث” عن مشكلة الفقدان الوهمي للدواء، حيث ذكرت أن في سورية 95 شركة دواء تمتلك الصيغ الطبية لمعظم الأدوية، لكن لا تستطيع أي صيدلية أن تغطي جميع منتجات تلك الشركات، وبالتالي فإن الدواء باسم شركة ما قد لا يتوفر لدى الكثير من الصيادلة، وهذا لا يعني بأن الدواء مفقود، فالتركيبة الطبية موجودة ذاتها، ولكن باسم شركة أخرى لدى الصيدلاني الذي ليس لديه الصلاحية بتقديم الدواء المشابه بسبب جملة “عدم تبديل الدواء” الموجودة على وصفة الطبيب. وهنا تؤكد كيشي أن الصيدلاني هو أكثر خبرة ومعرفة بمنتجات الدواء في السوق وبتركيبته وأصنافه، ويجب أن يترك له الصلاحية في اختيار اسم الدواء مع التأكيد على صيغته الطبية، علماً أن جميع معامل الأدوية الوطنية الخاصة والعامة تخضع للمراقبة الفنية واختبارات عديدة، والدواء يحمل التركيبة المحدّدة نفسها من الوزارة في جميع الشركات ولا يمكن التغيير في العيار المقدّر لكل صنف، لكن هناك أسباباً عديدة تدفع الأطباء للتحيّز لشركة أكثر من أخرى قد تكون أسباب تسويقية للترويج لشركة ما، وقد يكون هناك محاولات من بعض الشركات لترغيب الطبيب بمنتجاتها ودفعه لتسجيلها على وصفاته وإصراره عليها، مما يشكل عبئاً على الصيدلاني وتجاوزاً لصلاحياته وخبرته بالتركيب الدوائي وعدم الأخذ برأيه، متجاهلين دراسته لسنوات واختصاصه في هذا المجال، أما بالنسبة لمشكلة انقطاع بعض الأدوية تتابع كيشي هي ليست بهذا الحجم الذي يروّج له، وإنما هناك بعض الأصناف وهي زمر محدّدة  تم إخبار وزارة الصحة بها، أما باقي الأدوية فهي موجودة ومتوفرة بالجودة والفعالية نفسها، ونحن نسعى حالياً، لأن تكون الوصفة الطبية مكتوبة بالاسم العلمي للدواء بحيث يقدّم الصيدلاني للمواطن الاسم المتوفر لديه، وليس هناك أي مبرر للطبيب أن يلزم المريض باسم شركة ما ويفرض عليه المعاناة للوصول للدواء.

ليس مبرراً

العديدُ من الناس يقعون بفخ اسم الشركة وهي حالة طبيعية، فالكثير من المنتجات تفقد اسمها الحقيقي وتأخذ اسم الشركة المصنّعة لها، وهذا غير مقبول بالنسبة للدواء لأنه عبارة عن زمر ومادة فعّالة تدخل بتركيبته وتحمل عند إنتاجها الاسم التجاري.

وهنا يوضح مدير عام الشركة الطبية تاميكو فداء علي لـ”البعث” أن هناك أسباباً عديدة ساهمت بتوهم المواطن انقطاع الدواء، منها طبيعة السوق والمنافسة فيه، إضافة لبعض السلوكيات والمعتقدات بأن الدواء هو الاسم فقط وليس ما يحمله من تركيبة طبية، والأطباء ساهموا بشكل كبير في ترسيخ هذا الاعتقاد من خلال الإصرار على كتابة الاسم التجاري على الوصفة والتأكيد عليه رغم وجوده في الأسواق بالعيار والتركيب نفسه لكن باسم مختلف، وللأسف المريض لا يعي ذلك، بل يزيد من إصراره رغم محاولات الصيادلة توضيح ماهية الدواء ووجوده باسم آخر، والحقيقة أن الاسم التجاري هو المفقود وليس الدواء، علماً أن جميع المعامل الدوائية تأخذ الصيغة الدوائية نفسها، ولا يوجد أي معمل يملك صيغة طبية حصرية له ولا نعلم ما هي عقدة الأطباء مع البدائل المتوفرة في الصيدليات، وهذا يعتبر تحيزاً للمصالح الخاصة للطبيب ولبعض شركات الدواء.

ويؤكد الدكتور علي أنه تم الاجتماع مع الجهات المعنية لأخذ الإجراءات المناسبة لهذه المشكلة، ويوجد مقترح لنقابة الأطباء بتعميم استخدام الاسم العلمي للدواء على الوصفة ويأخذ الصيدلاني دوره باختيار اسم الشركة حسب ما يتوفر لديه، مع التأكيد على التركيب العلمي للدواء، ويضيف أن بعض الأطباء غير متابعين للمستجدات الدوائية في الأسواق وليس لديهم خبرة بما يتمّ إنتاجه، لذلك هم يكررون الأسماء التي يعرفونها ومن المضحك أن بعضهم يكتب أسماء لأدوية لم تعد موجودة، لذلك من الضروري التقيد بالاسم العلمي للدواء، لأن هذا السلوك من الأطباء يدفع المرضى للحصول على الدواء من خارج القطر لاعتقادهم أنه مفقود.

ثقافة مغلوطة!

لن ننسى في حديثنا تأثير اعتقادنا الخاطئ بما يتعلق بالتركيب الدوائي، حيث يرى جميع المختصين في هذا المجال الأثر السلبي لترسيخ فكرة الاسم التجاري بدلاً عن التركيب العلمي للدواء، أي ثقافة المجتمع بما يتعلق ببحثهم عن الأدوية وإصرارهم على أسماء محدّدة، وهي ثقافة منقولة من أجيال سابقة تأثرت بهذه الفكرة وتبنتها أجيالنا، إلا أن سلبيتها باتت أكثر خطورة في ظل الترويج لانقطاع الدواء وعدم توفره ودفع المرضى للبحث في دول الجوار للحصول على ضالتهم، في حين أنها متوفرة وبكثرة في البلد، وهذه الثقافة لابد من العمل على تغييرها عبر الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات التي يجب أن تُتخذ عبر قنواتها الطبية.