دراساتصحيفة البعث

مسيرة الأعلام.. لن تكون آخر محاولات نتنياهو

محمد نادر العمري

مسيرة الأعلام الصهيونية الاستفزازية، التي اعتاد المستوطنون القيام بها سنوياً، كونها تمثل تقليداً سنوياً يرمز -لما يزعمون- إلى توحيد أحياء القدس ضمن سلطة الاحتلال منذ عام 1967، لم يكن تأجيلها نتيجة النكسة التي تعرّض لها الكيان في عدوانه على غزة، فحسب، بل هي محاولة تتلاقى مع مساعي نتنياهو لإحراج الحكومة الجديدة عبر دعم إنجاز هذه المسيرة، ولكن بتوقيت سياسي يحرج به خصومه، الذي استطاعوا إخراجه من السلطة بعد 12 عاماً من تشبثه بها واحتكارها.

حكومة بينت- لابيد، التي أحدثت تغييراً في معالم المشهد السياسي الداخلي، لم تستطع منع هذه المسيرة من حصولها، ولكن دون أن تحقق نتائجها وفق الرؤية “البنيامينية”، فمنع حصول المسيرة من قبل حكومة بينت كان من شأنه أن يضع هذه الحكومة الهشة في توليفتها وتياراتها المتناقضة في مجابهة مع المستوطنين، وهي المصيدة الأبرز التي نصبها نتنياهو لهذه الحكومة من خلال قرار التأجيل وتحديدها بموعد مباشر لما بعد تصويت الكنيست ومنحه الثقة للحكومة الجديدة.

إذن في البعد السياسي الداخلي تمكنت حكومة بينت من تجاوز الاختبار الأخطر الذي نصبه نتنياهو أمامها من خلال ترحيل المسيرة، ساعياً من وراء خطوته تلك إلى وضعها أمام خيارين: إما اتخاذ قرار منع المسيرة بما يظهر تراجع رئيس الحكومة الجديد عن هويته الاستيطانية لمصلحة تربعه على كرسي رئاسة الحكومة، وهو ما سيضعه في مواجهة لها تداعيات من اليمين والحركات الدينية، أو السماح بها بما يؤدي إلى إحدى المسارين: تفجير الحكومة من الداخل أو تفكيكها وإسقاطها كنتيجة لتدهور الوضع الأمني.

رهانات نتنياهو هذه فشلت مؤقتاً، عندما عمد بينت للسماح للمسيرة الاستفزازية بأن تتمّ وفق إيقاع ومسارات حالت دون تفجير الوضع، ولجأ إلى اعتماد مسارين: الأول، اتخاذ إجراءات صارمة بحق الفلسطينيين، تمثلت في إصدار شرطة الاحتلال تعليمات مكتوبة تؤكد إصرارها على حماية المسيرة الاستفزازية ومنع فتح المحلات والتنقل للعرب في الأحياء القديمة، وجنّدت ما يقارب 3000 شرطي، مرفقة ذلك بتهديدات واعتقالات وإجراءات إغلاق عدد من الشوارع ومداخل القدس إغلاقاً تاماً من الساعة الرابعة بعد الظهر وحتى التاسعة مساءً، ووصل الأمر إلى إغلاق معبر بيت لحم– القدس، وهو يشمل منع المصلين من خارج البلدة القديمة من الوصول إلى الأقصى في مواعيد الصلاة، ومنع خروجهم من باحة الأقصى أو البلدة القديمة أو وصولهم إلى باب العمود. أي اتخاذ إجراءات تقنع المستوطنين أنفسهم بأن الحكومة الجديدة قوية، والهزيمة الأخيرة لن تؤثر في الوقوف أمام المشروع الصهيوني لتهويد القدس.

المسار الثاني تمثل في مسارعة رئيس الحكومة الجديد للاستعانة بالإدارة الأميركية لممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية والأردنية لمنع التصعيد، وأدّت مصر دوراً وظيفياً في ذلك، وفق القناة العاشرة الإسرائيلية، لتمرير هذه المسيرة من دون ردّ مناسب ومواجهة ميدانية.

ختاماً.. من المؤكد أن الأمور لن تقف عند هذا الحدّ، فمازال أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة المزيد من التحديات التي يراهن نتنياهو على أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاطها والذهاب نحو انتخابات مبكرة.