ثقافةصحيفة البعث

علي الدندح يطلق مجموعته “برتقال أسود”.. عشرية الموت تجاوزتها العائلة السورية!

“ليتني أدري، إلى أين مطافي، أين شطآني؟” مطلع قصيدة “غبار” ضمن المجموعة الرابعة (برتقال أسود) للشاعر والإعلامي علي الدندح، التي أطلقها في ندوة حفلت بمسائل تتعلق بالحداثة الشعرية ومفهوم الغنائية والفرق بين الغنائية والموسيقا الداخلية للقصيدة بمشاركة الشاعر أمير سماوي والناقد أحمد هلال، وإدارة الإعلامي سامر الشغري، في المركز الثقافي العربي – أبو رمانة، كما تطرقت الندوة إلى المشهد الشعري اليوم.

الميثيولوجيا السريانية 

وقد قدّم الدندح مجموعته (برتقال أسود)، موضحاً أن العنوان المثير من حيث اللون يعود إلى جذور الميثيولوجيا السورية السريانية التي تضع في يد الميت برتقالة تمنياً باستمرار حياة العائلة، وينسحب العنوان إلى العشرية التي عاشها كل سوري وصولاً إلى النصر.

تجربة جدية ولكن؟

استهلّ الحديث الشاعر أمير سماوي عن علي الدندح القادم من منابع نهر الخابور التي امتزجت بحضارات تشكلت في الجزيرة العليا، وعن مشاهداته البدوية، ومن ثم حياته المدنية في دمشق، واستفادته من عمله بالإعلام الثقافي في تكوين تجربته الشعرية، وتوقف عند بعض الخواص:

-الشكل والمبنى: ويرى أن الشاعر قد تسرّع في بعض النصوص فجاءت لتنضمّ إلى الكمّ من القصائد المبنية على مفردات بسيطة ومتداولة، وفي معظمها حُشرت في نص شعري عجزت عن أن تتحد في كيان كاد أن يتحقّق لكن بؤر الخلل أشكلتها، وتشذّ بعض القصائد المكتملة العناصر الشكلية مثل “العمامة، ومن شرفة القمر” التي حقّقت ملامحها الشكلية.

أما من الناحية الشكلية اللغوية فقد أغفل علامات الترقيم، ولا يمكن وضع نقطتين في نهاية جملة ثم يتابع الشاعر بجملة معطوفة عليها، فالفاصلة ضرورية ولا وجود لها في المجموعة. وثمّة ملاحظة شكلية فيما يتعلق بوزن بحور بعض القصائد، فالقصائد النثرية مكتملة وكثيفة، في حين عجزت القصائد الموزونة عن ذلك.

-الموضوع والمعنى: أدخل قصائده في جبرية التعبير الأقرب إلى الأذهان معتمداً على رؤيته الذاتية، ففرض شكل استبصار لصيرورة ثم الموضوع الشعري، ويتأكد ذلك في معظم نصوص الكتاب، إلا في بعض القصائد التي حققت وحدة المضمون والموضوع الشعري المعنوي، وحققت تلك الشفافية والسيولة والأحمال الانسيابية فأدخل جملته الشعرية في منطقه النفسي، وجعل في موضوع قصيدته انصهاراً موثقاً بالعاطفة والفكر حيث لا نجد في المجموعة قصيدة غزل بالمطلق، بل نجدها قد شُحنت برموز وأمكنة وحالات ووقائع ومن ثم بمعانٍ، مثل قصيدتي “فضيلة العمى وبرتقال أسود” الغنيتين بالحوامل الدلالية الموصلة إلى تعدّد المعاني، وربما زادت هذه المفردات الخاصة وغير المكررة في “نبيذ أبيض، وبطاقة حزن لرجل استثنائي”، ويقصد بها الشاعر المرحوم عبد الناصر حمد، والمفاجأة بالقصيدة الثانية “إلى الشاعر عبد الناصر حمد” العمودية التي تضاهي بسماتها القصائد القديمة لو كانت مطوّلة.

– الشعرية واللا شعرية، إذ حاول أن يخيّل قصائده بنجاح لكن مفرداته عجزت أن تحمل ما يضيئها في بعض النصوص، ليخلص إلى أن المجموعة مغامرة جدية يراهن عليها لتمثل هذا الجيل الشاب شعرياً.

استراتيجية اللون

وبدأ الناقد أحمد هلال من التجربة، فلا يستطيع مبدع ما أن يكتب دون تجربة، فهي علامة دالة في شعره، وإن لم يكن صنو تجربة روحية بامتياز بالمقام الأول فإن ما يصدر عن الشاعر محض أصداء خواء الروح، ويخلص هلال إلى أن التجربة ضرورية لكنها ليست شرطاً كافياً ما لم تُرفد بينابيع الروافد المعرفية والثقافية والاجتماعية، هذه الروافد تتشكل في مرآة الشاعر ليأخذ منها ما يعينه على السبك الشعري ونتاجه وفق متخيله ووفق قناعة أن يضيف أو لا يضيف ويصل إلى المغامرة الشعرية أو لا يصل.

وتوقف عند تجربة الدندح بمجموعاته الأربع بدءاً من نزيف القوافي 2004 وانتهاء ببرتقال أسود 2021، مبيّناً أن التجربة تربط بعلامات وإشارات، وعلى النقد أن يذهب إلى التصاق الإشارات، ولكل تجربة خصوصيتها وحساسيتها ولاسيما أن الدندح ينتمي إلى جيل الحداثة الجديدة. وتوقف هلال عند تساؤله: لماذا كتب الدندح “لا صوت للظل” بعد توقف اثني عشر عاماً؟.

فيجيب بأن هذه الفترة هي مرحلة من الإرهاصات والاختبارات لأنه يحاول أن يتميّز عن أقرانه، فيقدم تجربة ذات أبعاد جمالية وفكرية وأبعاد لها علاقة بمتخيّل علي الدندح، وربما استفاد من حقله الإعلامي بغنى التفكير الشعري.

من التجربة العامة للدندح انتقل هلال إلى دلالات مجموعة “برتقال أسود” ابتداء من العنوان، وبيّن أنه عنوان ذو بنية إشارية سيمفونية بلزومية الاستعارة إلى النقيض لما هو مألوف وبالذهاب إلى البنية المركبة للعنوان، فما الذي يعنيه برتقال أسود؟ يجيء العنوان صفة دالة على لون له استراتيجيته التي تقوم على الغموض على المستوى الدلالي لإحراز هوية علاماتية بعيداً عن مدلولات القارئ، وهذا يظهر استعمالات اللغة الرمزية.

يختلف هلال مع الدندح من حيث تفسير العنوان، ويرى أن هذا التوضيح هو تنظير من الشاعر، وربما تترك دلالة البرتقال الأسود للتأويل أكثر من تفسير الشاعر. فلماذا لا تكون الميثيولوجيا الجديدة – كما ذكر الدندح – بأسطورة السوري الآن حينما يذهب إلى النصر.

وينتقل هلال إلى العناصر المكونة لجمالية ليست ذات بعد مباشر لكنها تشي بانتظام تكوينها الدلالي، وتنتمي إلى سياق حداثي وهو مساحة خطرة لقواعد اللعب، وهو ما يبدو بتباين مستويات النصوص، فالبرتقال في تخصيبه اللون ومخاتلته بمواكبة السياق نحو انفتاح دلالي في سمات الحياة والموت والعشق، كما في “وانتشى صوت النحيب، فإذا الندى من تيهه غنى ولاح”، ليستشفّ هذه الغنائية، ويوضح مفهومها بأنها ليست غناء وإنما حالة اللغة بمستوياتها المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة، وبالتالي الاستجابة العاطفية، وثمة شروط أخرى هي الاستجابة المعرفية.

حظيت الندوة بمداخلات ارتبطت بالشعراء الذين حملوا البيئة الفراتية من خلال مفرداتهم.

ملده شويكاني