ثقافةصحيفة البعث

محمد إبراهيم العلي فقيد اتحاد الكتاب العرب

أقام اتحاد الكتّاب العرب حفل تأبين للروائي الراحل محمد إبراهيم العلي (أبو الندى) في ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاته، واستهله رئيس اتحاد الكتّاب العرب د. محمد الحوراني بكلمة رثا فيها “قامة شامخة لم تترك سبيلاً للنضال إلا مضت فيه إلى النهاية.. وكان يطلب الشهادة في سبيل الوطن وفي كل الميادين”.

وعدّ الحوراني الفقيد محوراً من المحاور المهمّة التي صنع أحداثها، وكان “شاهداً على عصره”، وبالرغم من مهامه الجسام التي لم “تسمح له الالتفات إلى الأدب والثقافة، كان للفقيد ثقافته الموسوعية الغنية، وخرج بمنتج أدبي راقٍ”.

واختتم الحوراني كلمته بالقول: “إذا كنّا نفتقد جسد هذه القامة الشامخة التي تمثل خسارة لنهج المقاومة في هذه الظروف العصيبة، فإن روحه وفكره سيبقيان متجذرين في ذاكرتنا وفي ثقافتنا. وهو ليس فقيداً للمؤسسة العسكرية الوطنية وحسب، بل فقيد اتحاد الكتّاب العرب، كما هو فقيد الوطنية والانتماء”.

وشارك السفير سليمان حداد، أحد رفاق الفقيد، بكلمة استرجع فيها بحرقة شريط ذكرياته مع أبي الندى، قال فيها مخاطباً رفيقه: “أميط اللثام عن حزني، فتراودني دمعة الفراق، تراودني الذكريات، تحاصرني، تطاردني، تلاحقني أينما حللت، تزداد شيئاً فشيئاً بأعماقي، تبسط هيمنتها، وتبسط سيطرتها لتملأ الوجدان، فيا أبا الندى روعة الأماكن بساكنيها، فإن رحلوا فقدت بهجتها ورونقها، ذكريات تملأ الوجدان عصيّة على النسيان، والقلب ما زال ينزف، أميط اللثام الأسود عن فؤادي.. أنام على الشوق بين الفواصل والكلمات.. أشكو إلى الصفحات أوجاعي.. وما بين صفحة وأخرى نودع أمانينا، أحلامنا ثم أحزاننا”.

واختتم حداد كلمته بوداع الفقيد بقصيدة لأخيه الشاعر جميل حداد، ثم قال: “نم قرير العين وإني أدرك جيداً أن الحياة تأخذ منا كل أحبائنا وكل آمالنا، لكن في الوقت نفسه كمؤمن في هذه الدنيا وصديق للراحل الغالي، أشعر بالحزن العميق الدائم عليك يا أيها الدائم بيننا. أبا الندى، من الناس من يصنعهم التاريخ، ومن الناس من يصنع التاريخ وأنت منهم”.

ثم ألقى د. حسين جمعة كلمة استعرض فيها تاريخ الفارس البعثي الوطني النضالي ومآثره، فهو الذي ثبت على ما يؤمن به من دون وجل أو تردّد، وأخلص لهويته وعروبته، وكان الفارس المدافع عنهما منذ انتسب إلى الكلية الحربية وبرز بين حركة الضباط الأحرار في حلب عام 1962، فكان من ألمع الضباط، ولاسيما حين رفض المناورة أو المساومة على مبادئ الأمة وقيمها، وراح يتطلع إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة.

وتابع جمعة حديثه بذكر المشكلات الاجتماعية السياسية التي حلّها الراحل بحزم، ويوم قدّم رفاقه المناضلون موعد قيام ثورة آذار، لأن الانفصاليين قرروا إعدام محمد إبراهيم العلي في صبيحة 9 آذار 1963، وكانوا قد اعتقلوه في 24/ 2/ 1962، وصوّر جمعة صمود الأديب الراحل الأسطوري في وجه “الانفصال الأسود، وأساليب رموزه المؤذية وغير القانونية”.

وبعد سرد طويل لمآثر الأديب المناضل، ختم جمعة كلمته بالتأكيد على أن أديبنا تمتع بالحنكة والخبرة والدراية والهدوء، وكان يرى أن النور يولد من العتمة، وأرض الشام غنية بالثقافة والمثقفين، والإبداع والمبدعين، وهي خزان عظيم للمواهب والمناضلين والشرفاء.

تخلّل الحفل قصيدتان ألقاهما الشاعران علي الزينة ومحمد حسن العلي، ثم اختُتم بكلمة من نجل الفقيد د. أحمد العلي، قال فيها والدمع يملأ عينيه: لأول مرة أشعر بشيء يبعث في نفسي الخوف والرهبة، الخوف من أن أقف لأتحدث عن أبي الراحل أمام أصدقاء ورفاق له قد يعرفونه أكثر مني. والرهبة من روحه التي تحلّق فوق رأسي الآن لتصغي إلى ما سأقوله في رثائه، فهو – رحمه الله – لم يكن يحب الرثاء.

وقال مخاطباً والده: كنت دائماً نبعاً للحنان الأسروي وأباً أقرب إلى الصديق أو الأخ الكبير، لم تكن يوماً مبغضاً لأحد، وما رأيتك قط إلا محاطاً بأناس تحبهم ويحبونك.. ولم تتستّر يوماً بقناع أو مظهر خادع، حتى لكنت تشعرني بأنك على استعداد دائم لأن تكون رمزاً شفافاً للبشر أكثر من أن تكون فرداً منهم، وربما هنا كانت تكمن قوتك.

وأضاف د. العلي: لم يكن يحلم بفردوس مفقود. حلم بوطن قويّ معافى، ومجتمع متماسك يحب بعضه بعضاً.. في حياته الطويلة لم يكن ميالاً للراحة أبداً، كنت أشعر به دائماً كجندي يعيش على حدود الخطر، كان دائماً على استعداد لركوب المخاطر وخوض المغامرات من أجل بلده وأمته.

علاء العطار