الصفحة الاولىصحيفة البعث

لبنان.. تحذيرات من توقّف قطاع المصارف وكارثة صحية تلوح في الأفق

وسط مخاوف من أن تستغل بعض الأطراف اللبنانية المرتبطة بالخارج الأزمة المعيشية السائدة في لبنان للضغط على مقام الرئاسة اللبنانية وإجبارها على قبول تنازلات في الملفات الساخنة على الساحة اللبنانية، وخاصة ملفّ تشكيل الحكومة، وذلك من خلال استخدام بعض الجماعات المسلحة المحسوبة عليها في تفجير الأوضاع والهجوم على القطاعات الحيوية الأساسية، واصل الجيش اللبناني انتشاره في المناطق التي ظهر فيها مسلحون محسوبون على بعض التيارات السياسية في طرابلس شمالاً وأطلق النار في الهواء لتفريق “المحتجين” الذين عمدوا إلى مهاجمة محلات تجارية ومصارف، الأمر الذي أدّى إلى شلّ حركة المدينة بالكامل.

يأتي ذلك فيما أقرّ مجلس النواب اللبناني بطاقة تمويلية مخصصة للأسر الأكثر فقراً، بالتزامن مع بدء رفع الدعم تدريجياً عن مواد أساسية، آخرها المحروقات، في بلد غارق في دوامة انهيار اقتصادي متماد.

وعلى وقع شحّ احتياطي المصرف المركزي، شرعت السلطات منذ أشهر في البحث عن ترشيد أو رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية كالطحين والوقود والأدوية، لتبدأ تدريجياً، من دون إعلان رسمي، رفع الدعم عن سلع عدة.

وربطت السلطات رفع الدعم بإقرار البطاقة التمويلية للعائلات الأكثر حاجة في بلد بات 55 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر، على وقع أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي بين الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، ووصفها بأنها إحدى أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث.

وقدّرت الحكومة كلفة البطاقة التمويلية بـ 556 مليون دولار، وتأمل أن تتمكن من تمويل 300 مليون منها عبر قروض من البنك الدولي على أن يتكفل المصرف المركزي بالمبلغ المتبقي، وفق ما قال مصدر حكومي مطلع على ملف البطاقة التمويلية، وأضاف أن الهدف من البطاقة دعم نصف مليون عائلة، مشيراً إلى أنه ما زال على الحكومة التفاوض مع كل من البنك الدولي والمصرف المركزي.

وأوضح رئيس مجلس النواب نبيه بري أن “كيفية توزيع الأعباء وتمويل البطاقة وآلياتها وكيفية التسديد فستبقى على عاتق الحكومة”، مشيراً إلى أنه بحسب كتاب من حكومة تصريف الأعمال فإن معدل البطاقة التمويلية سيتراوح بين 93.3 دولاراً و126 دولاراً، فيما اتّهم رئيس “التيار الوطني الحر” اللبناني، جبران باسيل، “أجهزة أمنية ونواباً وسياسيين” في البلاد، بـ”الانخراط في شبكات وعمليات تهريب عبر الحدود”.

وأقرّ البرلمان البطاقة التمويلية غداة رفع السلطات أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت ثلاثين بالمئة، في خطوة تأتي في إطار رفع الدعم جزئياً عن الوقود مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان. وسيؤدي ارتفاع أسعار المحروقات إلى ارتفاع في أسعار سلع وخدمات أساسية، بينها فاتورة مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوض نقص إمدادات الدولة، ووسائل النقل، وحتى الخبز. ومن شأن ذلك أن يعمّق معاناة اللبنانيين الذين بات يئنون تحت وطأة تراجع استثنائي لقدراتهم الشرائية، فيما خسرت الليرة اللبنانية حتى الآن أكثر من 95 بالمئة من قيمتها أمام الدولار.

ولا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، ويغرق المسؤولون في خلافات سياسية حادة حالت دون تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم مالي.

وفي هذا السياق، حذّرت نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان من أن “عدداً من المستشفيات قد استنفد المخزون الموجود لديه من مادة المازوت، وما تبقى لديه لا يكفي لتأمين حاجة الـ24 ساعة المقبلة”، وقالت: “لذلك فإن النقابة تناشد المسؤولين المعنيين كافة ضرورة تأمين هذه المادة للمستشفيات فوراً، وإلا فنحن مقبلون على كارثة صحية، مع عدم قدرة المستشفيات على تأمين التيار الكهربائي، علماً أننا أفدنا بأن الشركات الخاصة المستوردة ما زال لديها مخزون من هذه المادة”.

إلى ذلك، أشار المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، إلى أنه “وردت إلى مجلسنا معلومات عن بيان يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي متضمناً الدعوة إلى اقتحام فروع المصارف، ابتداءً من يوم غدٍ الخميس في 1 تموز 2021، كما يتهجم البيان على القضاء اللبناني ويهدّد مديري الفروع في المصارف كافة باحتجازهم”. وتمنى المجلس على “القوى الأمنية اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية مستخدمي المصارف وإدارات وفروع المصارف من أي هجمة قد يتعرّضون لها من مجموعات تدّعي الحرص على أموال المودعين”، مناشداً “الأجهزة الأمنية التقصي عن مصدر البيان وملاحقة الجهة التي قامت بتوزيعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

وعلى الأرض، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان بأن شباناً مسلحين أطلقوا الرصاص في الهواء في محلة التل بطرابلس، وطلبوا من أصحاب المحال التجارية والصيرفة الإقفال “احتجاجاً على الأوضاع المعيشية”. وأشار مندوب “الوكالة الوطنية للإعلام” اللبناني إلى أن “مسلحين أطلقوا الرصاص في الهواء في محلة التل، وطلبوا من أصحاب المحال والمؤسسات التجارية والصيرفة الإقفال احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، وارتفاع سعر صرف الدولار، والارتفاع الجنوني في أسعار مختلف السلع الاستهلاكية”.

وأوضحت الوكالة نقلاً عن مندوبها بأن “مسلحين آخرين أطلقوا الرصاص أيضاً في الهواء في محلتي التبانة والحارة البرانية لفقدان المحروقات، وانقطاع الكهرباء، والغلاء الفاحش”.

وقالت وسائل إعلام ومواقع إخبارية لبنانية: إن “حالة من التوتر الشديد و‏الغضب سادت في طرابلس بشمال لبنان”، مؤكدة “قطع بعض الطرقات مع سماع إطلاق نار وظهور مسلح كثيف، وتعرّض محلات تجارية وصيرفة لإطلاق نار”.

واعترض محتجّون في مدينة طرابلس بشمال لبنان طريقاً لعناصر دورية تابعة للجيش اللبناني، في حين أن الجيش أطلق النار في الهواء لتفريقهم.

ولم تثمر التحرّكات الدولية عن أي نتيجة لجهة تشكيل حكومة جديدة تحل محل حكومة حسان دياب، التي استقالت بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي. وغالباً ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ في آب الفائت وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.