مجلة البعث الأسبوعية

الدولة القوية والدولة الضعيفة

د. مهدي دخل الله

 

  • يقصد بمصطلح الدولة هنا المنظومة المؤسسية السياسية ..
  • الهدف : دولة قوية لكنها قادرة على تعزيز الإبداع الفردي ..

المقارنة بين الدولة القوية والدولة الضعيفة تركز على علاقة كل منها بالمواطنين . القوية تنظم شؤونهم العامة والبنى التحتية وتحمي الاستقلال والدفاع ، أما الضعيفة فتترك للأفراد والجماعات تدبير شؤونهم بأنفسهم وسط حرية فردية كبيرة ..

أيهما أفضل ؟؟.. المثالان المدرسيان هما سورية ولبنان . ايجابيات الدولة القوية في سورية واضحة ومشهود لها بقدرتها التدخلية في الاقتصاد والثقافة والفن وشؤون المجتمع كافة ، لدرجة أنها كادت ان تصبح ” دولة ابوية ” بكل ما في الكلمة من معنى ( المواطن السوري إذا وقع على الأرض أثناء سيره يلوم الدولة ولا يلوم نفسه ) ..

ولا شك أن أداء الدولة القوية يظهر في أبهى صوره أوقات الكوارث والحروب ، فبعد عشر سنوات من حرب غير مسبوقة ضدنا صمدت الدولة واستمرت في رعايتها للشؤون العامة ، على الرغم من مهام الدفاع والمواجهة . بل إن الدولة عززت قوتها في هذه السنوات العشر بما يؤكد قاعدتها المؤسساتية والتدخلية المتماسكة ..

للدولة الضعيفة بعض الإيجابيات فيما يتعلق بالإبداع الفردي المبني على الحرية الفردية وترك الناس يدبرون شؤونهم بأنفسهم . هذه الحرية تنمي الإبداع لدى بعض الأفراد بسبب عدم وجود اتكـالية لـديهم ، كما هو الوضع عند مواطني الدولة القـوية ، إضافة إلى عدم وجود رقابة صارمـة على الإبــداع الفــردي .

لبنان ذو الخمسة ملايين مواطن لديه من الأفراد المبدعين في الفن والأدب والتصميم ما لدى دولة من مائة مليون مواطن كمصر . ثم .. ألا نلاحظ أن مبدعي مصر الكبار ظهر إبداعهم قبل قيام الدولة المصرية القوية (1952) ؟؟ في سورية ايضاً ، كان عندنا عدد كبير من المبدعين الأفراد قبل الوحدة مع مصر (1958) ، وثورة آذار (1963) ، أي قبل نشوء الدولة القوية ..

الدولة القوية تنمي الكم حيث يضيع الإبداع الفردي ، والدولة الضعيفة تنمي النوع حيث يضيع الشأن العام بما في ذلك البنى التحتية والاستقلال الحقيقي .

في بداية الحرب ، كتبت إحدى الصحفيات الكنديات كيف أنها عندما غادرت لبنان ، ودخلت الحدود السورية ، لاحظت الفرق الكبير في البنى التحتية لصالح سورية ( اوتوستراد الحدود – دمشق ) .  صحفية أمريكية في الثمانينيات قارنت بين اللبنانيين على قارعة الطرق في بيروت ، حيث النقل العام معدوماً والدمشقيين الذين”  يركبون باصات النقل العام الحكومية المكيّفة ” ، حسب تعبيرها ..

الدولة الضعيفة في لبنان لا تستطيع تشكيل حكومة بسبب خلاف على شخص أو اثنين في ما يشبه الفوضى اللامسؤولة ، ناهيك عن سلطة السفراء في بيروت التي قد تزيد عن سلطة الوزراء ..

المقارنة ، بالطبع ، تميل لصالح الدولة القوية حتى لو كان هناك تضحية بالإبداع الفردي . لكن ليتنا في سورية نتجه نحو تعزيز الدولة القوية ، لكن مع إنهاء المضمون الأبوي بما يسمح بانطلاق الإبداع الفردي في المجتمع فنكون في دولة هي أقرب إلى الكمال .. الذي لا يُنال !!..