دراساتصحيفة البعث

انتخابات فرنسا المحلية تقلب معادلة ماكرون- لوبان

ريا خوري

أسفرت نتائج الانتخابات المحلية الفرنسية عن حصول أحزاب يمين الوسط واليسار على أغلب المناطق الفرنسية، في نتائج لا تعكس حدوث تغيير بنيوي كبير في المشهد السياسي الفرنسي.

صحيح أن المشهد مهمّ عالمياً، لكن المؤشر أهم في توجهات الرأي العام الفرنسي، لأن الهزيمة القاسية التي تلقاها اليمين المتطرف “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان، والتعثر الكبير لحركة “إلى الأمام” التي يتزعمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ستكون ارتداداتهما ملموسة في المستقبل القريب، وقد يمنحان فرصة ذهبية للأحزاب التقليدية على استعادة بعض من جاذبيتها بعد سنوات من البقاء على الهامش ودون أن يكون لها تأثير فاعل في المشهد السياسي الفرنسي.

وكانت كل المؤشرات قبل الانتخابات تؤكد أن اليمين الشعبوي المتطرف لم تعد له تلك السطوة التي اكتسبها عندما كانت النزعات العنصرية الغربية في أوجها، وخاصة بعد انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وظهور الشعبوية الأمريكية. فقد ظلّ التيار اليميني الشعبوي في فرنسا فزاعةً تستخدمها الأحزاب السياسية الأخرى في المواسم الانتخابية لكسب أعلى عدد من الأصوات. والأمر نفسه سيتكرّر في الاقتراع الرئاسي الفرنسي المزمع عقده في الربيع المقبل.

حتى الآن تفتقد قوى اليمين واليسار إلى زعيم ذي كاريزما واضحة الرؤى، لكن إذا تمّ التوافق على شخصية محدّدة، خصوصاً من أحزاب اليمين، فقد تختلف المعادلات بشكل كبير، ويصبح الوضع أمام تغيير بنيوي رئيسي كبير، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان فوزه مفاجأة عام 2017 تبيّن من الانتخابات الإقليمية الأخيرة في عموم مناطق فرنسا أنه لا يمتلك وحزبه قواعد شعبية في أغلبية المناطق الفرنسية، مما يجعل من مهمته صعبة وشاقة في القادم من الأيام.

وفي فرنسا، هناك من يقول إن المشهد السياسي يفتقد قيادات حقيقية تمتلك كاريزما وقوة وقدرة على الاستقطاب والاستحواذ على أصوات أكبر من الشعب، ويبدو أن الرئيس ماكرون قد فشل في اكتساب هذه الصفات فشلاً ذريعاً، بسبب الكثير من الإخفاقات التي واكبت عهدته الرئاسية، ولكنه بالمقابل استطاع أن يكون صلباً وقوياً في الانتصار للاتحاد الأوروبي والانتقاد الشديد للإدارة الأمريكية السابقة التي تزعمها الرئيس دونالد ترامب في قضايا العلاقات بين ضفتي الأطلسي والمناخ والتجارة، وربما هذا ما يكسبه بعض الثقة نوعاً ما.

ومن الظواهر السلبية الفاضحة، التي رافقت الانتخابات الإقليمية الفرنسية الأخيرة، العزوف التاريخي عن الاقتراع الذي لم يتجاوز نسبة 36 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة على الإطلاق منذ قيام الجمهورية الخامسة في شهر تشرين الأول عام 1958 التي أنشأها شارل ديغول ووضع نظام الحكم الجمهوري الحالي في فرنسا بموجب دستور الجمهورية الخامسة والتي استبدلت الجمهورية البرلمانية السابقة بنظام شبه رئاسي.

وتعود أسباب العزوف التاريخي عن الاقتراع إلى ملل الرأي العام من القضايا المطروحة، وتخليه عن الكثير من مواقف القوى والأحزاب التي لم تجنِ دعوة جميع الأحزاب إلى التعبئة فائدة تُذكر. وفي المطلق، لا يمكن لهذه النتائج أن تعكس حقيقة الواقع المعاش داخل فرنسا، فالانتخابات الإقليمية الفرنسية تختلف في البنية والأهداف المرسومة عن الرئاسية، لكنها محطة ستفرض نفسها على أغلب السياسيين الفرنسيين على اختلاف توجهاتهم والتوقف عندها لإيجاد حلول لما يحتاجه المواطن الفرنسي وتوجهاته وطموحاته.