مجلة البعث الأسبوعية

حكومة إسرائيلية جديدة.. الفصل العنصري نفسه

“البعث الأسبوعية” ــ  سمر سامي السمارة

بعد 12 عاماً على حكومة نتنياهو، قامت “إسرائيل” أخيراً بتنصيب رئيس وزراء جديد؛ ومع أن كثيرين يشيدون به باعتباره فرصة لبداية جديدة، فإن نفتالي بينيت لن يكون في أفضل الأحوال سوى استمرار لسياسات نتنياهو، وفي أسوأ الأحوال مُنظِّراً أكثر تطرفاً من نتنياهو نفسه.

في العام 2013، عندما كان من المقرر استئناف محادثات التسوية في الشرق الأوسط، بعد توقف دام خمس سنوات، صرح بينيت – خلال مناقشة في مجلس الوزراء حول إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين – لمستشار ما يسمى بـ “الأمن القومي الإسرائيلي”، يعقوب عميدرور، قائلاً: “لقد قتلت بالفعل الكثير من العرب في حياتي، ولا توجد مشكلة في ذلك على الإطلاق”.

وفي العام 2014، خالف بينيت، الذي كان رئيساً سابقاً لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغزة، نتنياهو مؤكداً أنه يتعين على جميع “الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية، حتى أولئك الذين يعيشون في البؤر الاستيطانية التي تنتهك “القانون الإسرائيلي، أن يظلوا تحت (السيادة) الإسرائيلية”، ودعا إلى بناء المزيد من المستوطنات، وقال: “هذا هو وقت العمل، علينا أن نستمر في البناء في كل ركن من أركان أرض إسرائيل بعزم وبدون ارتباك، إننا نبني ولن نتوقف”.

وفي العام 2016،  دعا بينيت، الذي كان وزيراً للتعليم، اليهود الإسرائيليين إلى “التضحية بأرواحهم” لضم الضفة الغربية، وقد استلهم معتقداته من الكاهانية، وهي أيديولوجية يهودية متعصبة تستند إلى آراء الحاخام مئير كاهانا التي تدعو إلى استخدام العنف والإرهاب لتأمين إسرائيل كدولة عرقية قومية.

وفي عام 1994، أقدم مستوطن إسرائيلي من أتباع كهانا، يدعى باروخ غولدشتاين، على ارتكاب مجزرة راح ضحيتها عشرات المصلين داخل مسجد الحرم الإبراهيمي بالضفة الغربية، وكان حزب كاخ اليميني المتطرف، الذي أنشأه الحاخام مائير كاهانا، مُنع عام 1988 من الترشح للكنيست. وفي عام 2004، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية كاخ منظمة إرهابية.

يوم الأحد، في13 حزيران 2021، أي مباشرة، قبل تنصيبه ليحل محل نتنياهو كرئيس للوزراء، سارع بينيت لإظهار آرائه المعادية للفلسطينيين، معلناً أن حكومته “ستعزز المستوطنات في جميع أنحاء أرض إسرائيل”، حسب تعبيره.

ومن المؤكد، أن أيديولوجية بينيت اليمينية المتطرفة لا تقتصر على القضية الفلسطينية، إذ يستخدم تمسكه  بـ “اليهودية الأرثوذكسية” كغطاء لمعارضته للكثير من القضايا.

إذن، لماذا يستجيب السياسيون والمنظمات التقدمية في الغرب بشكل ملموس مع التغيير في إسرائيل؟  قال بيرني ساندرز، المعروف بمواقفه التقدمية، وبكونه نصيراً لحقوق الفلسطينيين في الكونغرس، في مقطع فيديو، إنه “يأمل” بأن تكون الحكومة الجديدة واحدة، بحيث “سنتمكن على نحو أفضل من العمل معها”، كما أصدرت منظمة “أمريكيون من أجل السلام الآن” بياناً قالت فيه إنها “ترحب بأداء الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمين الدستورية”.

لعل إحدى الإجابات على هذا التساؤل تكمن في درجة الملل التي أصابت الجميع داخل إسرائيل وخارجها من حكم نتنياهو، الذي اتسمت فترة ولايته بالفساد والمناورات الخبيثة للبقاء في السلطة، حتى أصبحت دوامة لا نهاية لها من الانتخابات الإسرائيلية، وكانت خلالها الحكومة مشلولة وغير قادرة على تمرير ميزانية للسنوات الثلاث الماضية.

ويرى آخرون أن هذا كان أفضل تغيير يمكن الحصول عليه من حكومة تمنع حوالي خمسة ملايين شخص، يعيشون تحت حكمها، من القدرة على التصويت.

بالرغم من أن 20٪ من “المواطنين” في إسرائيل تقريباً هم من الفلسطينيين الذين يمكنهم التصويت في كافة الانتخابات الإسرائيلية، ولديهم تمثيل في الكنيست، وقد شهدت الانتخابات انضمام أول حزب فلسطيني إلى ائتلاف حكومي ذي أغلبية إسرائيلية، إلا أن الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لا يمثلون سوى ثلث الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الحكم الإسرائيلي والاحتلال العسكري.

وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية وحماس هما الحكومتان الرسميتان للضفة الغربية وغزة، على التوالي، فإن إسرائيل هي السلطة المطلقة المسؤولة، إذ تسيطر على الحدود والعملة والبنك المركزي، كما أنها تجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية، وتحتفظ بالحق في تنفيذ العمليات العسكرية على الأراضي الفلسطينية، وتتحكم بمقدار الحرية الممنوحة للفلسطينيين في حال وجودها.

توافق إسرائيل على نصف التصاريح التي يتقدم سكان غزة للحصول عليها للسفر خارج القطاع لتلقي العلاج الطبي الضروري. وفي عام 2017 وحده،  لقي 54 شخصاً حتفهم أثناء انتظار الحصول على تصريح للسفر لتلقي العلاج الطبي، ما دفع منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة المعونة الطبية للفلسطينيين، وأطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، لإصدار بيان مشترك يطالب برفع الحصار عن غزة.

وغالباً ما تكون أسباب الحرمان في غزة من العلاج الطبي الضروري سخيفة، كأن يُرفض منح إذن السفر لأن أحد الأقارب انتقل في وقت من الأوقات من غزة إلى الضفة الغربية دون إذن إسرائيلي. وحتى في حالة عدم تنفيذ عدوان عسكري وسقوط ضحايا، مثل المذبحة التي ارتكبتها في شهر أيار  2021 وأودت بحياة 256 فلسطينياً، تحدد إسرائيل الوقود ومواد البناء المتاحة لسكان غزة، حتى أنها، في بعض الأحيان، تسيطر على كمية الواردات الغذائية وفقاً لعدد السعرات الحرارية التي يجب أن يستهلكها سكان غزة.

في الحقيقة، لا تسيطر إسرائيل على الحدود الخارجية للضفة الغربية فحسب، بل تسيطر على ما يجري في الداخل أيضاً. وبينما تدير السلطة الفلسطينية المرافق والبنية التحتية في معظم أنحاء الضفة الغربية، تتمتع إسرائيل بالسلطة المطلقة، وتسيطر المجالس الإقليمية للمستوطنين الإسرائيليين على 40٪ من أراضي الضفة الغربية. وحتى في مناطق مثل رام الله، التي يُفترض أنها خاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، تحتفظ إسرائيل بحق الدخول إلى المدينة في أي وقت، وإغلاق الشوارع والمتاجر، واقتحام المنازل، والقيام باعتقالات دون إذن قضائي.

وبينما تحافظ السلطة الفلسطينية على نظام قضائي وجزائي، يخضع الفلسطينيون أيضاً لنظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، وقوانين مثل الأمر العسكري رقم 101 الذي يحظر الاحتجاج السلمي؛ وعلى الرغم من أنهم يُحاكمون في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، ويُسجنون في السجون العسكرية الإسرائيلية، فلا يحق للفلسطينيين إبداء الرأي بشأن من يتم تعيينه لإدارة الجيش الإسرائيلي والمحاكم العسكرية.

احتلت إسرائيل القدس في العام 1967، وضمتها رسمياً بشكل غير قانوني في العام 1980. ويتمتع الفلسطينيون، الذين بلغ عددهم الآن حوالي 370 ألفاً، بوضع المقيمين الدائمين، ما يسمح لهم بالتصويت في الانتخابات البلدية وليس “العامة”، ولكن نظرة فاحصة تكشف عن تلاعب دقيق بالتركيبة السكانية لضمان أغلبية يهودية بنسبة 70٪ على الأقل في جميع الأوقات. ومن خلال اعتماد سياسات من قبيل الضرائب الباهظة التي تتطلب إثباتاً دائماً للإقامة، وحرماناً من لم شمل الأسرة ، تمكنت إسرائيل، منذ عام 1967، من إلغاء إقامة 14595 فلسطينياً مقدسياً.

تقوم الآن، المحاكم الإسرائيلية بعملية تطهير عرقي لحي الشيخ جراح في القدس الشرقية. قبل النكبة، عندما أجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على ترك منازلهم وأراضيهم لإقامة “دولة إسرائيل”، اشترت مؤسستان يهوديتان قطعة أرض في حي الشيخ جراح؛ وعندما أعلن عن إقامة إسرائيل، غادرت العائلات اليهودية التي تعيش في الشيخ جراح إلى القدس الغربية حيث أصبح هذا الجزء من المدينة الآن جزءاً من “دولة إسرائيل الجديدة”.

وفي عام 1956، قام الأردن ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بإعادة توطين 28 عائلة فلسطينية كانت قد أُجبرت على مغادرة منازلها داخل “دولة إسرائيل الجديدة”، في الشيخ جراح. وفي مقابل التخلي عن وضع اللاجئ القانوني، كان من المقرر أن تحصل العائلات الـ 28 على ملكية عقارات الشيخ جراح، لكنها لم تحصل على صكوك ملكية ممتلكاتها، حتى أن إسرائيل تحاول الآن إعادة  هذه الممتلكات إلى الصناديق اليهودية التي باعتها لاحقاً إلى شركة نحلات شمعون، وهي شركة عقارية مسجلة في ولاية ديلاوير الأمريكية.

وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أنه وبينما تستخدم إسرائيل هذا التكتيك بشكل دائم لإخراج الفلسطينيين من القدس الشرقية، يمنع القانون الإسرائيلي الفلسطينيين من استعادة الممتلكات التي فقدوها في النكبة، حتى ولو كانوا لا يزالون يقيمون في مناطق تسيطر عليها إسرائيل.

يصادف هذا العام (2021) مرور 54 عاماً على احتلال اسرئيل للضفة الغربية، يتخللها 14 عاماً من الحصار الجائر لغزة ، و28 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو التي كان من المفترض أن تنشئ دولة فلسطينية، بينما يعيش 600 ألف “مواطن” إسرائيلي الآن في حوالي 200 مستوطنة إسرائيلية غير شرعية تغطي الضفة الغربية والقدس الشرقية.

تكشف التفاصيل المتعلقة بمن يُسمح لهم، ومن لا يُسمح لهم بالتصويت، بين نهر الأردن والبحر الدوافع الإسرائيلية، إذ بلغ عدد اليهود الإسرائيليين، الذين يعيشون في إسرائيل نفسها، والقدس الشرقية، ومستوطنات الضفة الغربية، 6.589 مليون بحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، وعدد “المواطنين” الفلسطينيين في إسرائيل الذين يمكنهم التصويت في الانتخابات الوطنية 1.5 مليون، وذلك حسب الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي وبلدية القدس. وبلغ عدد الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، ممن لا يحق لهم التصويت في الانتخابات العامة الإسرائيلية، 4.88 مليون نسمة، بحسب مكتب الإحصاء المركزي التابع للسلطة الفلسطينية.

في الوقت الذي تنصب فيه رئيس وزراء وحكومة جديدة، تستمر إسرائيل في ترحيل الفلسطينيين قسراً من القدس الشرقية، كما يساور الفلسطينيين حدوث مذبحة قادمة في غزة. وبينما تستمرإسرائيل في تصدير نفسها كـ “دولة ديمقراطية”، لا يُمنح حق التصويت  إلا لـ 60٪ من إجمالي السكان، وأنه فقط ثلث الفلسطينيين الذين يرزحون تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي قالوا إن نفتالي بينيت أصبح رئيس الوزراء الثالث عشر لإسرائيل .