ثقافةصحيفة البعث

التشكيلي أسعد زكاري في كتاب 1930- 2020

أقام أصدقاء الفنان الراحل أسعد زكاري حفل توقيع الكتاب التوثيقي لأعمال الفنان الدمشقي الراحل، متضمناً مجموعة من المقالات والوثائق لعفيف بهنسي، سلمان قطاية، اسكندر لوقا، غازي عانا، طارق الشريف.

وتضمنت مقدمة الكتاب نصاً للفنان يوسف عبدلكي قال فيه: “يلفت النظر أن زكاري اعتمد على مصادر الفن الشعبي لا لتكريسها بل للعمل على شحنها بطاقة جديدة، فقد عمل على خطين متوازيين في هذا المنحى الذي كرّس له سنوات حياته الأخيرة، إذ راح يرسم العناصر الشعبية المعروفة بشكل عفوي فزاد في عفويتها الأصلية عفوية خطوطه الراقصة بعيداً عن توضيحية الرسوم الشعبية، وللمضي في هذا المنحى إلى مداه لجأ في إحدى تنويعاته على العناصر الشعبية إلى طباعة خطوط أعماله بواسطة الشاشة الحريرية، ومن ثم أخذ يطلق لمسات ألوانه على هذه المساحات المطبوعة ماضياً إلى ألوان متوافقة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى، معتمداً الدرجات الدافئة هنا والحارة هناك واللمسات العريضة في هذا العمل والدقيقة القصيرة في ذاك. هكذا اللوحة بقدر انتمائها إلى فنوننا الشعبية منتمية إلى نزعات حديثة جريئة تجريبية لا تقف عند حدّ مرسوم بل تنطلق إلى فضاء الاحتفال بفرح الألوان لتصنع في النهاية لوحة زكاري المختلفة عن بقية الفنانين الذين عملوا في التيار نفسه ولتطبع ببصمتها الخاصة هذا التيار الأخاذ في التجربة التشكيلية العربية”.

من الجدير ذكره أن هذه المناسبة الاحتفائية لم تكن تحصل لولا مساهمة زياد كامل ذلك الشاب الذي يعمل في المجال الفني والتشكيلي من خلال تسويق الأعمال الفنية للفنانين عبر إقامة المعارض الخاصة واقتناء أعمال البعض منهم، وفيما يخصّ تجربة أسعد زكاري فقد عمل زياد كامل منذ العام 2012 على فهم واستيعاب تجربة زكاري كاملة، وبالتالي كان لا بد من إنجاز هذا الكتاب عن الفنان وأعماله ليتمكّن متابعو الفن التشكيلي من الاطلاع على هذه التجربة، ومن الحق الاعتراف بفضل عائلة الفنان وأصدقائه الذي وفروا كل المعلومات التي تخدم فكرة التعريف والتوثيق لتجربة الراحل التي تستحق، خاصة وأن صاحبها قضى سنوات طويلة من حياته يعمل بعيداً عن الأضواء في رغبة منه لهذه العزلة التي عاشها هاوياً لفن الرسم وعالم اللوحة التشكيلية.

مساحة لونية   

وقدّم الناقد والإعلامي غازي عانا شهادة عن الفنان زكاري جاء فيها: “بقي الفنان منذ أكثر من خمسة عقود وإلى ما قبل رحيله بفترة قصيرة يتحفنا بجديد نتاجه التشكيلي المعروف بتنويعاته وتنقلاته في فضاءات الأساليب والصياغات المعروفة، إضافة إلى تلك التي ابتكرها خلال مسيرته الفنية باحثاً باجتهاد عن سر إدهاشنا بما يقدّمه دائماً وإن كان بوتيرة أقل في السنوات الأخيرة، فالمساحة اللونية الهانئة التي حقّقت التوازن البصري في لوحاته عموماً معتمداً على توهج الضوء في مكان يفصح فيه عن تفاصيل تظهر اشتغالاً واهتماماً بالرسم أحياناً الذي يبني عليه مشاهده، أو التكوين في لوحاته التي يعيد صياغة بعضها في أحيان أخرى ولو بعد فترة، محدداً بالأسود أو بعض مشتقاته حدود خطوطه التي تفصل بين تلك المجموعات اللونية المنسجمة والمتناغمة فيما بينها لتعلن في النهاية عن موضوع، والمهمّ بالنسبة له أن يكتمل بناء اللوحة باتفاق الخطوط والألوان على توزع الأهمية في الكادر، وبما ينسجم مع قناعاته وسجيته وإحساسه بعيداً عن عبودية النظم والقواعد الأكاديمية الصارمة.

الواقعية والإلهام

السريالية كانت إحدى المحطات التي اشتغل عليها الفنان “زكاري” بشغف ورغبة منه باكتشاف ضفاف هذه التجربة المغرية لعمل أي فنان، من حيث اعتمادها على الواقعية كأساس، وعلى الخيال كإلهام لابتكار مبالغات لطيفة تضيف احتمالات لا نهائية من الدهشة للشكل الواقعي بالأساس في عمل الفنان، وهنا لابد من الاعتراف له بإخلاصه لكل من الاتجاهات والأساليب التي اشتغل عليها، من الصدق الذي نلاحظه خلال حديثه عن كل مرحلة منها، والأهم تلك الفترة التي ركّز اهتمامه بالبحث فيما يخصّ الفن الشعبي، والذي قدّم فيه خلاصة تجربته ومعارفه حول ثقافة الناس وموروثهم البصري والأدبي المرتبط بقصص الحكواتي حول الحب والحرب والشجاعة وغيرها من السمات التي كان وما زال يفتخر بها معظم الناس في هذه المنطقة إلى اليوم، فجاءت أعمال تلك المرحلة لتذكرنا بلوحات أبو صبحي التيناوي، ولكن على طريقة (زُكاري) وفهمه الخاص في توزيع كل من الخط واللون والضوء الذي يضبط إيقاع كل منهما في اللوحة.

يُذكر أن الفنان من مواليد دمشق، حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الاسكندرية بمصر عام 1958 وأثناء دراسته الجامعية كان يواظب على تمارين رسم الموديلات الحيّة لدى معهد “بيكلي” الإيطالي بمدينة الإسكندرية وذلك بين عامي 1952-1953، درس فن التصوير الزيتي في مرسم سيف وانلي في الإسكندرية بين عامي 53 و56 علماً أن المرسم قد تحوّل إلى متحف لأعمال الفنان وانلي بعد وفاته.

للفنان زكاري عدد من المعارض الفردية والجماعية، وقد حاز الجائزة الثالثة للتصوير الزيتي في مسابقة صالون القاهرة للعام 1959، وحاز الجائزة الثالثة في مسابقة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب للفنانين السوريين عام 1961.

أكسم طلاع