ثقافةصحيفة البعث

طارق صالحية: الصوت أول آلة موسيقية

لم تكن أغنية “يادارة دوري فينا” ألحان العظيم فيلمون وهبة بصوت فيروز، وإنما بنغمات غيتار طارق صالحية في حفله الصولو الذي أُقيم على مسرح دار الأوبرا، وفاجأ جمهوره ومحبيه بغنائه مقتطفات عدة وترانيم تناغمت مع أوتار الغيتار، إضافة إلى تقديمه مقطوعات من تأليفه ومن قالب التانغو والموسيقا الشعبية لأمريكا اللاتينية، فقد بدأ العزف المنفرد بمقطوعته “روح”، وتميّزت بخصوصية الدمج بين الموسيقا الكلاسيك والشرقية، ثم رافقته الفرقة المؤلفة من البيانو إياد جناوي، والإيقاع محمد شحادة، والكمان رزان قصار، والكونترباص باسم الجابر، والقانون علاء العبد الله وفق التوزيع الموسيقي. فشارك الكونترباص الغيتار بعزف المقطوعة البرازيلية prelude-n-1 للمؤلف البرازيلي lobos.v.h. إذ أخذ الغيتار دور اللحن الأساسي، وبدا صوت الكونترباص الرخيم بعزف باسم الجابر بالقوس. وقد هيمن ضباب الحزن على المقطوعة التي ألفها صالحية تحية للراحلة ميادة بسيلس “for you” بمشاركة إيهاب قطيش على آلة الترومبون الذي بدأ بلحن حزين، ثم التدرج اللحني للإيقاع والغيتار مع ترانيم صالحية وصولاً للسكون، ومن ثم الانتقال إلى قوة الإيقاع ومشاركة البيانو، ليعود اللحن إلى الترومبون والقفلة مع لحنه الحزين.

التانغو والموسيقا الشعبية

قدّم صالحية مقطوعة التانغو البرازيلي بمرافقة الكمان -رزان قصار- الذي أخذ اللحن الأساسي بمرافقة الغيتار والبيانو والإيقاعيات والكونترباص، فكان التآلف بين البيانو والكمان رائعاً وازداد سحراً مع تألق الإيقاعيات. وأراد صالحية أن يقدّم تجربة جديدة استوحاها من موسيقا باخ برؤيته الخاصة تميّزت بتعدّد الأبعاد الموسيقية وبالبداية القوية لألحان الغيتار السريعة، وكانت مقطوعة وداع، الثنائية بينه وبين عازف العود حسين سبسبي التي جمعت بين الشرق والغرب، وعزفها سابقاً مع السبسبي في أمسيات عدة ضمن البرنامج.

فلسطين والشعر العربي

وخلال الأمسية حيا صالحية مقاومة الشعب الفلسطيني بعزفه وغنائه “يما مويل الهوى” من التراث الفلسطيني تضامناً معهم، بدأت بصوت الكونترباص الرخيم والإيحاءات بالتجذر بالأرض والحنين واستمرار المقاومة رغم كل شيء.

إحدى المفاجآت كانت باعتلاء ابنه محمد صالحية المسرح، فغنى على وقع الألحان الشرقية والقانون من الشعر القديم مقتطفات من قصيدة أغار عليها ليزيد بن معاوية التي تعدّ من روائع الشعر العربي:

أغار عليها من أبيها وأمها      إذا حدثاها بالكلام المغمغم

حلم تحقق

والمفاجأة الثانية كانت بتقديم الموهبة سمير قباني عازف الغيتار الذي يبلغ السادسة والستين ويعمل سائق تكسي بعد تقاعده، أصرّ على تعلم النوتة وعزف المقامات ومن ثم شارك بفرقة صغيرة، وكان حلمه وهاجسه طوال سنوات عمره الوقوف على المسرح والعزف، فحقق حلمه على مسرح الأوبرا بدعم من المدير العام لدار الأوبرا المايسترو أندريه معلولي الذي شاهد على الفيس بوك -موقع شباب سورية الفيلم التسجيلي له- عُرض خلال الأمسية- إيماناً منه بأن الأعمال الفنية هي مشروع ثقافي، والثقافة تحمل في طياتها نوازع إنسانية، فعزف سمير قباني وغنى أغنية “رجعت الطفولة” من تأليفه وتلحينه والتي استحوذت على إعجاب الجمهور، مستحضراً فيها تمنياته بالعودة إلى ذكريات الطفولة “واقف على الطريق، رجعت لي الطفولة والعمر العتيق”.

وصرح طارق صالحية لـ”البعث” أن الحفل نجح بشغف وحب الأساتذة الموسيقيين المشاركين معه، وقد استخدم صوته لأول مرة كون الصوت أول آلة موسيقية خلقت مع الإنسان.

ملده شويكاني