دراساتصحيفة البعث

مشروع البنية التحتية.. سجال جديد بين الجمهوريين والديمقراطيين

محمد نادر العمري  

ضمن مساعيه في مقارعة الصين ولغرض الفوز عليها في المنافسة العالمية المشتدة معها اقتصادياً، وفق وصف الخبراء الأمريكيين، يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لتحقيق ذلك من خلال مسارين متلازمين، يكملان بعضهما، ويصبّان في نبع واحد في النهاية.

المسار الأول، ربما بات جلياً وواضحاً لكل متابعي الشأن الدولي والاختصاصيين الاقتصاديين من خلال الجولة الأولى والواسعة والمطولة التي أجراها بايدن في أوروبا بهدف توحيد جهود حلفاء واشنطن الكلاسيكيين في المنظومة الرأسمالية لاحتواء الصين وعدم السماح لها بالتمدّد، وفي الوقت نفسه سعى لدقّ إسفين الخلاف بين روسيا والصين بعد لقاء جنيف الذي جمع بوتين وبايدن في قمة مازال الغموض يكتنف نتائجها ومآلاتها.

بينما تجلّى المسار الثاني، على الصعيد الداخلي الأمريكي فيما كشفه الرئيس بايدن في بداية نيسان الماضي ومن ولاية بنسلفانيا الأمريكية، عن خطة تتضمن تحسين واقع البنية الاقتصادية للولايات المتحدة والاعتماد على الطاقة النظيفة وتقنية النانو بشكل أكثر، بما يفسح المجال لتخفيض تكلفة الإنتاج وبالجودة ذاتها، وستعمل على توسيع دائرة الصناعات وإحياء ما تمّ إغلاقه سابقاً وجذب رؤوس الأموال للاستثمار وتوفير ملايين فرص العمل مما يخفض منسوب البطالة، وهذه الخطة وفق بايدن تحتاج لثماني سنوات -في مؤشر على نيّته للترشح لولاية ثانية وتوظيفها انتخابياً- وبتكلفة تقارب 3 تريليون دولار أمريكي، فالخطة التي رفعت ضد الصين يعتمد عليها بايدن لقلب موازين المنافسة لمصلحة بلاده خاصة وأنها ستشمل المناطق التي تعرف داخل أميركا بـ”المناطق الحمراء” التي هجرتها الصناعات ورؤوس الأموال باتجاه المكسيك وأوروبا والصين نتيجة التكلفة الباهظة.

ولكن نتيجة ما سمّاه الجمهوريون بنوايا بايدن الانتخابية رفضوا هذه الخطة في الكونغرس، رغم أنهم هم والديمقراطيون صوتوا معاً وبنسبة تاريخية على قانون الطوارئ ومنافسة الصين تكنولوجياً بداية نيسان الماضي، وهذا الرفض دفع بالرئيس بايدن لخفض قيمة الخطة لمرتين متتاليتين: المرة الأولى جاء التخفيض قليلاً حيث لم يتجاوز 200 مليون دولار وبلغت قيمة الخطة المخفضة 2.8 تريليون دولار، والمرة الثانية خفضها بمقدار 44% لضمان موافقة الجمهوريين على الخطة في الكونغرس لتبلغ 1.7 تريليون دولار، ومع ذلك أصروا على عدم قبولها ورفض الخطة، ويعود ذلك لعدة أسباب أبرزها:

أولاً، إدراك الجمهوريين بأن الخطة ليست هدفها الكامل مقارعة الصين بل أيضاً تمتين نفوذ بايدن أو الجمهوريين في الحكم ولولاية ثانية، فعلى الرغم من احتمال تنحي بايدن عن الحكم نتيجة تنامي مرضه واحتمال أيضاً تولي نائبته “كامالا هاريس” قبل نهاية ولايته، فإن الخطة تخدم إيديولوجية الديمقراطيين وسياساتهم الداخلية.

أما السبب الثاني، فإنه من المعروف أن الطبقة البرجوازية الأمريكية تميل للجمهوريين، لذلك هناك نوع من التناغم والتعبير عن المصالح والدفاع عنها وحتى تمثيلها في جماعات المصالح داخل الحزبين، ولكن بنسبة أكبر لدى الجمهوريين، ومثل هذه الخطة تعني أن الدولة الأمريكية سيكون لها دور أكبر في سياسات العرض والطلب “أي التوجّه نحو التدخل الحكومي”، لذلك فإنه ليس من مصلحة الجمهوريين الذي يمولون من الطبقة البرجوازية أن يكون هناك تدخل من قبل الدولة في السياسات الإنتاجية والصناعية الداخلية فهذا يضرّ بمصالح هؤلاء، لذلك يصرّ الجمهوريون على رؤيتهم التي يختلفون بها مع الديمقراطيين على حصر البنى التحتية فقط بالطرقات والجسور والموانئ وسكك الحديد.

أما السبب الثالث، فقد توقعته العديد من مراكز الدراسات واعتبرته يمثل العائق والتحدي الأكبر أمام إنجاز المشروع، بما في ذلك مؤسّسة “موديز” للأبحاث التنموية ومركز “اناليتكس” الاستقصائي الاقتصادي، وهو سبب مرتبط بالأول نوعاً ما، ويعبّر عن تمويل هذه الخطة ومصادرها. حيث أكد بايدن في تفاصيل خطته أن تمويلها سيتمّ عبر فرض ضرائب جديدة على الطبقة الغنية في أميركا، وهو ما يعني أن البرجوازيين لن يعانوا فقط من تدخل الدولة عبر هذه الخطة فقط، بل سيقومون بدفع الأموال بما يساهم في جلب منافسين لهم وهو ما يعارضونه ويساندهم في ذلك الجمهوريون!.

رغم أن “موديز” نوّهت في دراستها التي نشرت في صحيفة نيويورك 10.4.- 2021 بأن لهذه الخطة فوائد منشطة للاقتصاد الأميركي، مضيفةً، والكلام منسوب للمركز، أن الخطة تسمح “بتقليص كلفة الأنشطة الاقتصادية وتحسن التنافسية والإنتاجية وتسمح للعمال بالإقامة قرب مكان العمل وتقلص وقت الانتقالات وتحسن مشاركة العمل وتقلص انبعاثات الكربون”.

وذكر التقرير أن الإنفاق التقليدي على البنية التحتية له، في المدى القصير تأثير تضاعفي بنسبة 1.5 في المئة، أي أن كل دولار يُستثمر في البنية التحتية تقابله زيادة 1.50 سنت في الإنتاج المحلي الإجمالي. وإجمالاً، تتوقع “موديز” أن تتمّ ترجمة الخطة إلى زيادة بنسبة 3.8% في الإنتاج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024 مقارنة مع زيادة بنسبة 2.2% إذا لم تجرِ الموافقة على مشروع القانون. ويتوقع انخفاض البطالة بنسبة 3.5% بحلول نهاية 2024. وتتوقع “موديز” كذلك أنه بدلاً من إضافة 11.4 مليون وظيفة في ظل التوجّهات الحالية، ستضيف الخطة 13.5 مليون وظيفة. وعلى مدار العقد المقبل ستضيف الخطة 18.9 مليون وظيفة مقارنةً بإضافة 16.3 مليون وظيفة من دونها.

قضية مواجهة الصين متفق عليها، ولكن القضايا التي تتعلق بأدبيات وإيديولوجيات الحزبين الأمريكيين وحساباتهما السياسية والانتخابية لها الدور الأبرز في توافقهما أو تنافرهما، فاليوم بايدن أمام تحدٍ كبير والصين ليست منزعجة مما يحصل في أميركا، بل ربما تضحك في سرها، فأميركا ترامب عبّرت عن حقيقتها الإنسانية عبر مقتل جورج فلويد، وكشفت زيف ادعاءاتها بحماية حقوق الإنسان، وأميركا اليوم في حقبة بايدن تعبّر عن وجه الرأسمالية المتعجرفة والليبرالية المتوحشة والتي تعلي مصالح أفرادها على بعضهم حتى يأكل بعضهم بعضاً.