اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

الدعم مجدداً “كبش الفدا” للعقوبات.. والخشية من الانعكاسات على السوق!

دمشق- ريم ربيع

لم تأتِ عيدية الأضحى لهذا العام بشكلها التقليدي، بل اختارت الحكومة بآخر أيامها أن تستبق العيد بصفعات عدة بحق محدودي الدخل “مستحقي الدعم المتلاشي تدريجياً” عبر رفع أسعار الخبز والمحروقات، فبالتأكيد لن يتأثر صاحب الثروة برفع سعر ربطة الخبز إلى 200 ليرة، إذ أنه معتاد أساساً على الخبز السياحي و”الكروسان”، ولن تزيد قساوة البرد شتاءً عليه بعد رفع سعر المازوت “على قلته” إلى 500 ليرة، فهو لا ينتظر الرسالة المحملة بـ100 ليتر ومنّية، ولن يتأثر بسيارة الأجرة التي تذرّعت برفع سعر البنزين لتضاعف التسعيرة وتتحكم بالطلاب والموظفين!.
مواجهة الحصار والعقوبات وضعف الإيرادات جاءت مجدداً من جيب الدعم، وكأنه بات رفاهية لا داعي لها، مقابل مؤسسات غارقة بالفساد، ومحتكرين يستغلون العقوبات للتحكّم بالسوق، ومنشآت ضخمة تتهرّب من ضرائبها “بفراطة وتبويسة شوارب”، ومتاجرين بما تبقى من فتات الدعم، إلا أنها كلها على ما يبدو خطوط حمراء تفوقت على خط الخبز لأن “حيطه واطي”.
اختلاق الأزمة
زيادة أسعار المحروقات التي سبقت عيد الأضحى بدأت انعكاساتها بلحظة صدور القرار على أسعار جميع المنتجات، فضلاً عن وسائل النقل التي اختفت فجأة لترفع التعرفة واختلقت أزمة فوق أزمتها تظهر جلياً عبر مئات المواطنين الذين عجزوا عن الوصول إلى وظائفهم وجامعاتهم وأشغالهم، علماً أن معظم السرافيس التي تخدم ريف دمشق كانت قد رفعت تسعيرتها منذ أشهر إلى 200 ليرة! فهل تنتظر المزيد من الزيادة؟!.
ومجدداً تعود الكرة إلى ملعب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المعنية بالتشدّد في رقابتها بمجرد إصدار قرارات الزيادة، فمديرية الأسعار في الوزارة كانت بصدد التحضير لصك تسعيري جديد لابد أنه اليوم سيلحظ الأسعار الجديدة بنسب محدّدة، وبناء عليها سيكون من مهمة مديرية حماية المستهلك متابعة الالتزام بهذه الأسعار. وفيما تجنّب مدير الأسعار الردّ على اتصالاتنا المتعدّدة، أوضح مدير حماية المستهلك محمد باغ أن المديرية اتخذت إجراءات مشدّدة، وعمّمت على مديريات التجارة الداخلية في المحافظات لتوجيه دوريات حماية المستهلك لتشديد الرقابة على الأسواق ولاسيما الرئيسية، ورقابة الأسعار سواء المتعلقة بالنقل أو الخبز أو باقي السلع. وأشار باغ إلى إصدار أجور النقل بين المحافظات، فيما تعمل المكاتب التنفيذية في المحافظات على تحديد أجور النقل ضمن المحافظة، وبمجرد صدورها سيتمّ توجيه الدوريات لمراقبة الإعلان عن الأسعار والتقيد بها، مؤكداً أن أية مخالفة سيتخذ الإجراء بحقها مباشرة، فضلاً عن تلقي الشكاوى من المستهلكين.
ضبط.. وإلا!
عضو جمعية حماية المستهلك عامر ديب رأى أنه بعد القرارات الأخيرة هناك دور كبير جداً يشمل كل الوزارات المعنية باحتياجات المواطن، إلا أن الترهل فيها يصعّب المهمّة، فما حصل من زيادة على أسعار الخبز والمحروقات يجب أن يترافق مع توفر المواد بانسيابية وتكثيف الدوريات وضبط السوق الموازية وإلا سيتمّ استغلال القرارات لرفع الأسعار. وأوضح ديب أن أزمة المازوت تعتبر قديمة والقطاعات بمعظمها تشتري المازوت حراً بسعر وسطي 1500 ليرة لليتر الواحد، فالتكاليف أساساً محسوبة لدى الصناعي والتاجر على سعر 1500، والحالة نفسها على ربطة الخبز التي كانت تباع بـ1000 ليرة، لذلك فإن انعكاس الأسعار الجديدة على التكاليف ليس إلا شماعة لسرقة المواطن، مشدداً على أن توفر المواد بانسيابية سيقضي من دون أي مجهود على السوق السوداء.
استنزاف
بدوره رأى الخبير الاقتصادي د. ماهر سنجر أن انعكاسات رفع الأسعار ستكون بشكل مباشر على مدخرات المواطنين المستنزفة أصلاً، حيث لجأوا اليوم لبيع الأصول والأملاك، مما سيزيد الضغط على القدرة الشرائية لديهم، وكذلك ستتأثر معظم الأعمال والقطاعات وفي مقدمتها القطاعات الخدمية، فمثلاً من يسجّل دورة تدريبية اليوم سيضطر لدفع أجور نقل تعادل أو تزيد عن تكلفة الدورة.
كما أنه من المرشح –بحسب سنجر- أن تزيد أسعار النقل على كل كيلومتر نحو 30%، مما سينعكس على المستهلك المستنفَذ أساساً، وعلى كلف الصناعة التي تعاني من إغلاق الحدود وضعف التنافسية في السعر والجودة محلياً وعربياً، مما سيبرّر دعوات البعض للاستيراد كونه أرخص، مبيناً أن اللجوء إلى الدعم في كل مرة يعود لضعف الاستثمار في الفرص البديلة أو حتى انعدامه في مؤسّساتنا العامة والخاصة، فكان اللجوء إلى حلول تقليدية زادت استنزاف الخزينة بدل الابتكار في فرص كان يمكن أن تؤثر إيجاباً على كل القطاعات.
غياب الرؤى
أزمة المحروقات واضحة للجميع -وفقاً لديب- فلا يمكن مجابهة التضخم الحاصل، ولكن يمكن الحدّ منه، غير أننا لم نجد أية رؤى لذلك لا كأدوات اقتصادية في القطاع الخاص ولا كاستراتيجيات لوزارات الدولة، مبيناً أن الاقتصاد في سورية يخضع للعرف الذي يخالف المنطق في الكثير من الأحيان، لذلك تكون القرارات بناءً على ردات فعل وليس على بيانات وأرقام واضحة.
وأكد عضو جمعية حماية المستهلك أن ضبط السوق يحتاج لتطبيق المرسوم 8 بدقة ودون قرارات واستثناءات تخالفه، فالجمعية توازن بين حاجة المواطن وإمكانات الحكومة، وهي غير مضطرة لتطبيق القرارات الصادرة بما يخالف المرسوم الذي يعتبر دواء لكل العلل الاقتصادية للمواطن، مضيفاً أن المرسوم نصّ أنه على الوزارة إعادة هيكلة عمل مؤسساتها والتنسيق فيما بينها بما يتناسب مع تطبيقه، وعدم اقتصار مهمتها على تسجيل الضبوط والعقوبات.
استباق
وحول دور حماية المستهلك، أوضح سنجر أن المطلوب كان ضبط الأسعار استباقياً قبل رفع سعر المحروقات، وإعادة النظر بالتسعيرات التأشيرية لتكون أكثر دقة ومواءمة، موضحاً أن الموارد البسيطة في حماية المستهلك لجهة عدد المراقبين إضافة للمعوقات الاقتصادية المحيطة قد تصعّب من مهمّة ضبط الأسعار، فاليوم هناك ضغط عالٍ جيو اقتصادي من لبنان وصولاً إلى مشروع الشام الجديدة (الربط بين العراق والأردن ومصر مباشرة لتبادل البضائع) مما سينعكس علينا، فضلاً عن عدم تسوية العلاقة مع الأسواق المجاورة التي اعتمدت مواصفات جديدة لقبول البضائع.