دراساتصحيفة البعث

الرسالة التي قرأها الرئيس الصيني

تقرير إخباري

لأول مرة يخرجُ الرئيس الصيني شي جين بينغ عن صمته الاستراتيجي، ويعلن أن “عهد الصين التي تتعرّض للتنمّر ولّى إلى الأبد”. هذا التصريح جاء في حفل أقيم بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني قبل أيام، وهو يحمل رسائل مباشرة ضد خصم لم يسمّه الرئيس الصيني، لكن كلّ من سمع الخطاب عرف الخصم الذي قصده شي جين بينغ.

قبل هذا التصريح كانت السياسة الصينية ترتكز على عدم استخدام أي تصريحات مباشرة، ولكن اليوم من الطبيعي أن يدرك كل متابع أن الصين دخلت فعلاً في مسار تاريخي لا رجوع فيه، وأن من يحاول التنمّر سيجد نفسه في مسار تصادمي مع سور فولاذي عظيم قوامه أكثر من 1.4 مليار صيني، كما صرح الرئيس الصيني نفسه.

كان من الطبيعي جداً أن يتمّ هذا الانقلاب السريع في السياسة الخارجية الصينية، لأسباب كثيرة من أهمها أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يخفِ عداءه للصين، وأكثر من ذلك تمّ إدراج هذا العداء في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية، أي أنه جعلها ملزمة في المستقبل القريب والبعيد. وللتأكيد على خطوته العدائية، بدأت الولايات المتحدة مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، وتمّ إرسال سفن حربية وحاملات طائرات إلى المياه الإقليمية الصينية بمشاركة بريطانية وفرنسية وغيرها من الدول التي تسير في ركب الولايات المتحدة.

هذا العداء قرأه الرئيس الصيني جيداً، وأدرك أن التصريحات الأمريكية بدأت تدخل مسارات جدية، لذلك كان لابد من تغيير الخطاب، وحتى مجمل السياسة الخارجية بما يتناسب مع حجم العداء الذي ترسم ملامحه الولايات المتحدة، ولهذا الغرض استخدم عبارة: “من يحاول التنمّر سيجد نفسه في مسار تصادمي مع سور فولاذي عظيم قوامه أكثر من 1.4 مليار صيني”.

حتى في هذا الكلام المباشر، لم يتوانَ الرئيس الصيني عن التأكيد أن بلاده مع الحلول السلمية والتفاهمات الدولية، وأن الصين لن تتنمّر أو تضطهد أو تقهر شعب أي بلد آخر مطلقاً، لكن في الوقت نفسه لن تسمح لأي قوة أجنبية أن تمارس هذا السلوك ضد شعبها، وأن الأولوية يجب أن تكون حماية السلام والمساهمة بالتنمية العالمية، والحفاظ على النظام الدولي.

من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد أن تلعب الصين دورها البنّاء في معالجة القضايا الضرورية على جدول الأعمال الدولي، وهي مدفوعة بالخوف من التفوق الصيني والنجاحات المبهرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق تبرير التهديد بالقوة لمنع هذا التقدّم، لأن الحسابات الخطأ قد تؤدي إلى نتائج كارثية، كما يجب ألا يغيب عن بال المنظرين في الدولة العميقة أن قوات الصين المسلحة باتت ترتقي إلى المعايير العالمية، وهي مزوّدة بقدرات ووسائل لحماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية الوطنية.