دراساتصحيفة البعث

القسم الرئاسي ليس مجرد إجراءات بروتوكولية

محمد نادر العمري

“أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية”.

هذه الكلمات الدستورية سيسمعها السوريون منتصف نهار يوم السبت 17/ 7/ 2021  في الداخل والخارج, يتلوها رئيس الجمهورية المنتخب من قبلهم في الاستحقاق الرئاسي الأخير، أمام أعضاء مجلس الشعب وفق مانصت عليه الفقرة الثانية من المادة (90) والتي تنص على: “يؤدي رئيـس الجمهورية أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبـه القسم الدستوري الوارد في المادة السابعة من الدستور”.

هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها رئيس الجمهورية المنتخب في سورية بأداء القسم, بل منذ الاستقلال شهدت سورية انتخابات متعددة بما فيها الرئاسية وكانت تتوج بأداء القسم لتعلن معها بدء ولاية الرئيس المنتخب, كما أنها ليست المرة الأولى التي يطبق بها الفقرة 90 من الدستور الحالي, فقد تم تطبيق الدستور الذي يعمل به في سورية منذ 2012 حين شهدت سورية انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية وفق قواعده ومبادئه بما في ذلك الانتخابات الرئاسية 2014.

ولكن ما يميز أداء القسم للرئيس المنتخب من الشعب السوري وهو الرفيق د. بشار الأسد في هذه المرحلة تكمن في جملة من الأسباب:

  • أولها تتجلى في الإرادة المشتركة شعبياً ومؤسساتياً في الحفاظ على استقلال القرار السوري, والتمسك بالعمل الدستوري الوطني, بما يحفظ السيادة والإرادة والهوية السورية. فأداء القسم من شأنه أن يؤكد على هذه الثوابت وخاصة إن سورية بمؤسساتها وشعبها وجيشها وقيادتها تخوض منذ أكثر من عقد تقريباً معركة الدفاع عن الكرامة والمواقف والمقاومة والعروبة. إذاً بالدرجة الأولى ترمز أهمية القسم في هذا التوقيت من كونه يعبر عن تمسك السوريين بالحياة الدستورية والمؤسساتية التي تنظم طبيعة الحياة السياسية والديمقراطية ويتحمل من خلالها الرئيس المنتخب مسؤولياته والشعب يقطف ثمار مشاركته الدستورية.
  • بينما تتمثل الأهمية الثانية بدستورية مقام الرئاسة والحفاظ على دورها في صنع وتنفيذ وتطبيق القانون والسياسات العامة وفق ما يحدده الدستور, لأن جزءا كبيرا من الحرب على سورية خلال الأعوام السابقة كان يتضمن محاولة تغير طبيعة النظام السياسي لتحويله نحو نظام ضعيف غير مستقل, لذلك حاولوا تشويه صورة مقام الرئاسة, وممارسة الضغوط على شخص السيد الرئيس وتقديم كل الإغراءات له في ذات الوقت للتخلي عن مواقفه, وهو ما لم تستطع هذه الدول تحقيقه لا بضغوطها ولا بإغراءاتها نتيجة الموقف السوري المتلاحم مابين الرئاسة والشعب.
  • القسم يعبر من جهة ثالثة عن تحمل رئيس الجمهورية لمهامه وواجباته وصلاحياته الدستورية أمام ممثلي الشعب.
  • من المؤكد أن خطاب القسم سيتضمن تحديد معالم لاحقة للسياسة السورية على المستويين الداخلي والخارجي, كما أنه سيتضمن الإشارة لبعض عن ما حصل في المرحلة السابقة, لذلك سيكون هناك اهتمام إعلامي وسياسي, إقليمي ودولي, بما سيتضمنه هذا البيان من ملامح مستقبلية، وخاصة في ظل المتغيرات البنيوية التي يشهدها النظامان الإقليمي والدولي, وفي ظل ترقب بعض الدول التي مازال قرارها بالعودة إلى سورية مرهوناً بالقرار الأمريكي.

أيضاً على الصعيد الداخلي وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة نتيجة الإرهاب الاقتصادي المتمثلة بفرض الحصار على الشعب السوري, سيكون اهتمام السوريين بالقسم والخطاب المرافق جد كبير, سواء من ناحية الموقف من الاستمرار في محاربة الإرهاب وتحرير الأراضي السورية من رجس الإرهابيين والدول الداعمة لهم, أو من حيث الواقعية التي اعتادوها من مقام الرئاسة في شرح الظروف الاقتصادية, أو من حيث رؤية سورية لمشروع إعادة الإعمار.

رغم الأوضاع التي عاشها ويعيشها السوريين من انتشار الإرهاب بدايةً، والحصار الاقتصادي ثانياً، ومحاربتهم بلقمة عيشهم ومقومات حياتهم ثالثاً, ومع ذلك تبرز أهمية إجراء القسم الرئاسي في توقيته, فهو إن كان مجرد إجراءات بروتوكولية أو مراسمية في الشكل, إلا إنه في المضمون يعني للسوريين الكثير، حيث أن عقد الانتخابات والقسم في موعدهما يعبران عن التمسك الوطني بالحياة الدستورية التي تحاول الدول المعتدية على سورية عبر مجاميعها الإرهابية أو ضغوطها ومناوراتها السياسية أو خناقها الاقتصادي من استهدافه, كما أنه يعبر عن الإنجازات الوطنية المقدسة لتضحيات الشعب والجيش والدولة للحفاظ على استمرارية المؤسسات الوطنية والحفاظ على صلاحياتها وممارساتها السيادية, لأن البديل كان هو نشر الفوضى والترهل والفتاوى التكفيرية, وتعبير أيضاً عن استقلال قرار الشعب السوري الذي هو فقط صاحب الحق في رسم مستقبله واختيار نظامه, وتعبير من ناحية ثانية على تكاتف وتلاحم القيادة والشعب من خلال ممارسة حق الانتخاب والقسم وفق العقد الاجتماعي لمن لا يعلم بالديمقراطية وينظر بها.