ثقافةصحيفة البعث

رواية “نزاز” لطلال مرتضى في ندوة نقدية

رواية تجاوزت الأربعمائة صفحة اسمها “نزاز”، وتعني الأرض القاحلة المالحة التي لا تنبت شيئاً ولا تصلح للعيش، هذا “النزاز” والجدب عنوان لرواية الكاتب المغترب طلال مرتضى المقيم حالياً في النمسا والذي أرسل رسالة مسجلة صوتاً وصورة عرضت بداية الندوة النقدية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي في العدوي بحضور لفيف من الأصدقاء والأدباء، بيّن فيها أن الفكرة الإبداعية حالة من الخصوصية المطابقة للواقع تماماً، وبالتالي ما ورد في الرواية من عرض لسيرته الذاتية ما هو إلا سيرة كل واحد منا منتمياً إلى موطنه الأول ورائحته الأولى يحملها أين حلّ ورحل، فمن الرقة بداية الحكاية الطويلة، حكاية الإنسان والمكان، رواية طويلة بدأت من طفولة قاسية إلى يفاعة الفتى في حلب متلمساً طريق الحياة نحو دمشق العاصمة المليئة بمشاغل الأديب والرجل المتطلع نحو تأكيد الذات وتحقيق مستقبلها بعدة لا تخلو من ذكريات ثقيلة يعبر المتوسط حاملاً لها نحو البلاد الباردة حيث يقيم الآن ويكتب عن أرض نزاز لم تنبت إلا هذه الحكاية الطويلة والمنحنية كقوس ربابة أنهكتها آلام راويها وشاعرها.

أدارت الأمسية السيدة لبنى مرتضى مستضيفة الناقد والإعلامي عمر جمعة والأديب الفنان مشهور خيزران ومحمد العبدون مدير ثقافة الرقة الذي أسهب في مداخلته التعريفية عن المدينة وحوض الفرات وعن أصول بعض القبائل والعشائر والعادات بخطاب لا يخلو من تعبوية وتفاخر بأهلنا الأعزاء في مدينة الرقة، وكأنّ رواية طلال مرتضى لم تخرج عن سور مدينته.

في مداخلة مشهور خيزران التحليلية تحدث كيف أن الرواية تستولي على قارئها وترغمه على المكوث في أحداثها، يراقب عن كثب أفعال أبطالها بالبصر والبصيرة وبكثير من الحميمية متعاطفاً مع مكابدات الأرواح المنكسرة وعذابات الخوف والجوع والإذلال، حيث تقود براعة السرد والسبك والمصداقية الشديدة الواقعية القارئ نحو متعة آسرة لا ينجو منها، ويعترف خيزران بأن الرواية استولت عليه بأسلوبها السردي وبنائها الهيكلي لبنيانها في الصياغة وعناصر التشويق وتماسك لبنات بنائها في الشكل والمضمون وحواراتها ومناخاتها الروحية مع الخالق، والحوار الدائم بين المكان والزمان عبر أبطال المروية، وقد برع المؤلف بإدارتها على مسرح الأحداث، وأضاف أن الرواية حالة متفردة في الحداثة كونها ليست سيرة ذاتية لكاتبها وحسب بل سيرة ذاتية لشعب مسحوق مجوّع ومهاجر تلتهمه أحزان الاغتراب، وما الرواية إلا نواح روح أضرمت الحياة فيها كالسعير موقدة زفير الجحيم في موقد القلب الذي حمل صاحبه شرف التعبير بقلمه عن معاناة الطيبين من شعبه وناسفاً القناع عن وجوه المتسلطين، وعليه جاءت الرواية في مواجهة القبح بالجمال والرصاصة القاتلة بوردة الكلمة مبتعداً عن خزعبلات اللاهوت مؤمناً بأن هذه البلاد العظيمة ستنتصر على الرياح العاتية.

في جانب آخر يعترف الكاتب وفق ما أورده الناقد عمر جمعة بأنه ابن الحكاية من ألفها إلى ألفها! ويختصر جمعة شريط الرواية الدائري الذي يربط بها مدناً كثيرة مرّ بها الكاتب، بداية من الرقة إلى حلب فدمشق وبيروت وأزمير واستنبول وفيينا ضمن رحلة قسرية لافظة للشاب بعيداً عن خان السنابل تلك القرية الوادعة التي يستعيدها في الحلم لزراعة الأمل في أرض مالحة لا تنبت إلا الوجع والضياع!.

ويضيف جمعة في مداخلته: منذ صفحة الإهداء التي حبّرها الكاتب بالكلمات التالية: “للذين عبروا سريعاً شريط أخبار حرب البلاد العاجل.. ولم يتسنَ لهم فرصة وداع من كانوا بانتظارهم، أستعيدهم ببعض مني”، سنكتشف أن الحرب التي أوهنت البلاد عقداً من الزمن ما زالت المتن السردي الأول الذي يلجأ إليه الكتّاب والروائيون اليوم، ولعلّ رواية “نزاز” للأديب السوري طلال مرتضى هي في زعمي من بين أهم الروايات التي أرّخت لفصول الحرب التي دفع ثمنها الباهظ الشباب السوري الذي هجر كل شيء ومضى إلى أحلام كبرى بالخلاص الفردي أو الجماعي قبل أن يصحو وقد فتك البحر بجزء من هذه الأحلام وطوت مدن الغرب ببردها ووحشتها وضبابها ما تبقى من تلك الأحلام.

“نزاز”.. سردية بسيطة وفي الوقت نفسه رواية مركبة، تتعدّد فيها الأحداث والوقائع وتكثر فيها الشخصيات التي نعرفها تارةً ونجهلها تارةً أخرى، هي باختصار اختزال للتراجيديا السورية.

أكسم طلاع