دراساتصحيفة البعث

هيمنة أمريكا على آسيا والمحيط إلى زوال

عناية ناصر

منذ أن تولت إدارة بايدن مهامها، تركز اهتمامها بشكل واضح على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي تريد جعل هذه المنطقة هدفاً مركزياً في الإستراتيجية الأمريكية، مع الحفاظ على التقليد الذي بدأ خلال إدارة أوباما، لكن إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في الهيمنة على المنطقة؟.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عززت الولايات المتحدة هيمنتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال إنشاء نظام تحالف عسكري قوي. وفي مجال الاقتصاد، كانت شريكاً تجارياً رئيسياً ومصدراً للاستثمار لدول المنطقة، كما أن لديها تغلغلاً سياسياً عميقاً في المنطقة من خلال حلفائها وشركائها. وبعد نهاية الحرب الباردة، أصبحت واشنطن مهووسة بميول الهيمنة أحادية القطب، وقد استمرت في تعزيز نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في محاولة لتعزيز هيمنتها في المنطقة. ومع ذلك، فقد أثر صعود الصين، إلى حد ما، على الدور المهيمن للولايات المتحدة، لذلك فإن الولايات المتحدة اعتبرت الصين بمثابة تحدٍ وتهديد رئيسين. وخلال رئاسة أوباما، اتبعت الولايات المتحدة سياسة “المحور نحو آسيا”، والتي كان جوهرها تعزيز وتقوية قيادة الولايات المتحدة في المنطقة من خلال إعادة تقويم التركيز الاستراتيجي.

ظلت الأهمية التي أولتها واشنطن للمنطقة دون تغيير خلال فترة ترامب، وحدث هذا على الرغم من حقيقة أن إدارة ترامب تبنت سياسات خارجية مختلفة تماماً عن إدارة أوباما، فقد عززت إدارة ترامب بشكل أساسي نفوذ الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال إطار العمل الاستراتيجي “الهندي والمحيط الهادئ”، وعملت على احتواء الصين من خلال التعاون متعدد الأطراف مع حلفائها وشركائها، و كان الهدف هو تقويض نفوذ الصين في المنطقة.

تواصل إدارة بايدن إطار عمل ترامب الاستراتيجي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، فقد نظمت  أول قمة رباعية بعد فترة ليست طويلة من توليها، وشددت على النظام القائم في المنطقة، أي الاحتواء ومحاولة محاصرة الصين. يمكن ملاحظة أن إدارة بايدن منهمكة في محاربة الوباء واستئناف النمو الاقتصادي، لكنها تبذل أيضاً جهوداً كبيرة لممارسة الضغط على الصين، وهدفها الأساسي هو الحفاظ على الموقع المهيمن للولايات المتحدة في العالم ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

لقد أدى التدهور النسبي للولايات المتحدة إلى فقدان بعض مواردها الإستراتيجية تدريجياً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وعدم التوازن بين الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة والموارد قد يزداد احتمالاً، وكذلك فإن قوة الولايات المتحدة أيضاً تراجعت قدراتها على التعبئة الدولية بسبب عدم ثقة الحلفاء والشركاء فيها.

ومن منظور النمط الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ، يعتبر توازن القوى بين الصين والولايات المتحدة عاملاً مهماً، لكن في الوقت نفسه، هناك دول أخرى مثل اليابان ودول الآسيان والهند برزت كلاعبين مهمين مؤثرين. لذلك لم تعد واشنطن تهيمن على النمط الإقليمي بعد أن أصبح هيكلاً متعدد الأقطاب. أما من حيث الظروف الإقليمية، وعلى الرغم من بعض عوامل عدم الاستقرار، فإن الوضع العام في المنطقة ينعم بالاستقرار نسبياً، فمعظم دول المنطقة تعتبر التنمية الاقتصادية محور تركيزها الاستراتيجي.

صحيح أن واشنطن لا تزال تتمتع بنفوذ كبير على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن هيمنتها على المنطقة ستضعف في المستقبل، وستتلاشى في النهاية، لكن هذا ليس نتيجة المنافسة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة فحسب، بل بسبب فقدان تحالفاتها مع الشركاء في تلك المنطقة.

العالم اليوم يشهد  تغيرات كبيرة لم نشهدها منذ قرن من الزمان، حيث ستشهد التغييرات الأكثر أهمية إضعاف هيمنة الولايات المتحدة حول العالم.