اقتصادصحيفة البعث

الإدارة بالأرباح

لم نُصدّق الإدارات السابقة للشركة العامة للأحذية بأن تحويل شركتها من خاسرة إلى رابحة من المهام المستحيلة.. لم نُصدقها لأننا بحكم التجربة كنّا على قناعة بدور الإدارة في إدارة المتاح من إمكانيات فنية ومادية لتحقيق إنجازات غير متوقعة حتى لدى الجهات الوصائية!.
شهدنا إدارات نقلت شركات حكومية من الخسارة إلى الربح، مقابل إدارات حوّلت خلال شهرين فقط شركات رابحة على الدوام إلى شركات خاسرة.
كانت معظم الإدارات السابقة لشركة الأحذية منشغلة بتحقيق مصالحها الخاصة بالتواطؤ مع تجار جلود وأحذية، أو إبرام عقود مع متعهد واحد فقط على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي كان آخر اهتماماتها تحويل الشركة من خاسرة إلى رابحة.
وفي ذروة الحديث عن تأجير الشركات الخاسرة إلى القطاع الخاص في بداية القرن الحالي تجرّأ مدير عام سابق معلناً: أنا على استعداد لاستثمار أي معمل للأحذية.
وكان هذا الإعلان بمثابة اعتراف بأن معامل الأحذية الحكومية مخسّرة بفعل تقصير الإدارات المتعاقبة، ولو لم يكن هناك من إمكانية شبه مؤكدة لتحويل معمل حكومي للأحذية إلى رابح، فلماذا يبدي مدير عام على رأس عمله استعداده لاستثماره؟
حسناً.. جاءت إدارة للشركة لتثبت أن تبنّي نهج الإدارة بالأرباح في أي شركة خاسرة سيقلبها رأساً على عقب، ويجعل من عملية نقلها من الخسارة المزمنة إلى الربح الدائم مهمة صعبة، لكنها قطعاً ليست مستحيلة كما كانت تزعم الإدارات السابقة للشركة. وكانت البداية في معمل مصياف الذي حقّق إنجازات متسارعة ليس على صعيد المعمل فقط، وإنما للعمال أيضاً على الصعيدين المادي والاجتماعي، أي الصحي.
وعندما تنشغل الإدارة الحالية على عكس “أسلافها” بإبرام العقود وتطوير القدرات الإنتاجية لتزويد السوق والجهات العامة بأحذية تتمتّع بالجودة وتواكب ما أمكن أذواق المستهلكين، فمن الطبيعي أن تكون الحصيلة الأرباح لا الخسائر.
وبدلاً من الانشغال بمطالبة الجهات الوصائية باستيراد آلات جديدة كما كانت تفعل الإدارات السابقة، فإن الإدارة الحالية انشغلت بالاعتماد على العمال المهرة من فنيين وإنتاجيين لهم باع طويل في العمل، وقد ساعدها هذا الأمر بالمحافظة على الآلات واستمرارية عملها إلى اليوم، بالإضافة إلى توريد عدد من الآلات لإغناء خطوط الإنتاج ومواكبة التطور في صناعة الأحذية.
وكانت الإدارات السابقة تزعم أن هناك صعوبات بتسويق منتجاتها، لأن الجهات العامة لا ترغب بها والسوق لا تشتريها، لتثبت الإدارة الجديدة أن هذا الكلام هراء بهراء، بدليل توقيع الشركة عدداً من العقود مع جهات عامة عدة وصلت قيمتها إلى 12 مليار ليرة سورية لتصنيعها وتوريدها تباعاً إلى تلك الجهات!.
وبما أن عملية التسويق لها أربابها فإن إدارة الشركة أعلنت اعتماد وكلاء بيع في كل المحافظات إلى جانب التعريف بمنتجات المعامل من خلال المشاركة في المعارض والمهرجانات. ولعلّ العامل المهمّ جداً الذي ساعد الشركة على نجاح نهج (الإدارة بالأرباح) هو تطبيق نظام الحوافز الإنتاجية الجديد الذي أسهم في زيادة الإنتاج وجودته وبتعلق العامل بآلته أكثر، وكل هذا أدى إلى مبيعات بقيمة 3.2 مليارات خلال النصف الأول من هذا العام وبأرباح تجاوزت 500 مليون ليرة.

بالمختصر المفيد: تحوّلت شركة الأحذية للمرة الأولى من خاسرة إلى رابحة، ففي العام الماضي تجاوزت أرباحها 1.8 مليار ليرة، ما جعلها ثاني أكبر شركة رابحة من الشركات التابعة للمؤسّسة العامة للصناعات الكيميائية، وهذا يدفعنا للسؤال: من يحاسب الإدارات السابقة على إهمالها وتقصيرها، بل ويسألها عن الثروات التي شفطتها من شركة زعمت دائماً أنها خاسرة ولا يمكن أن تربح أبداً؟!
علي عبود