رأيصحيفة البعث

ما الذي يريده ماكرون في سورية ومنها؟!

أحمد حسن 

ما الذي يريده ماكرون في سورية ومنها؟ إلام يسعى من لقاءاته المتواترة – سواء بشخصه أم بممثليه – مع فصيل انفصالي شمال شرقها؟ والأهم لما يفعل ذلك مناقضاً كل تواقيعه على وثائق “أصدقائها” الذين تعهدوا، وهو منهم، بالحفاظ على سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها؟!!

وربما يكون الجواب مفاجئاً قليلاً لمن اعتاد على “الروايات” التي تقول إن الدول العظمى ترسم سياساتها وفق منظور سياسي عميق ورؤية استراتيجية بعيدة المدى تضعها مراكز “ثينك تانك” معروفة إثر جولات عصف فكري خلّاقة بين باحثين متخصصين في شؤون البلد والمنطقة المقصودة.

والحال إن ذلك صحيح بالمجمل، لكن في حالة الدول العظمى الفعليّة والفاعلة في عالم اليوم، وليس في حالة دولة كفرنسا فقدت مكانتها العالمية “الفاعلة”، وخاصة في منطقتنا منذ تراجعها المهين عن معارضتها للحرب على العراق، وفقدت رشدها السياسي مع ساسة الصدفة، و”الموضة”، منذ ساركوزي وصولاً إلى … ماكرون ذاته.

بهذا المعنى يمكن القول إن الرجل، أي ماكرون، لا يريد من سياسته السورية – وللحق مجمل سياساته الأخرى – إلا إثارة بعض الضجيج حول شخصه ودوره لاستعادة بعض الضوء السياسي المتناقص عنه وعن بلاده التي أصبحت، كسواها من دول أوربا، مجرد تابع صغير للرجل الأبيض الكبير – الأمريكي – رغم بعض ضوضاء محاولات الاستقلال المضحكة التي “يرتكبها” ماكرون تلفزيونياً ضد واشنطن ليعاود الخضوع لأوامرها فعلياً.

وبهذا الإطار تبدو سورية بجرحها الحالي، كما لبنان، وإن كان هذا الأخير أكثر بكثير، منطقة مناسبة ليحاول فيها كل رئيس فرنسي رتق بعض الجروح النرجسية التي أصابت قصر الإليزيه من خسارته لـ”ممتلكاته” في الخارج، وخفوت صوت جملة “باريس مربط خيلنا” الشهيرة، فيحاول استعادة بعض نوستاليجيا دور “الأم الحنون” المدّعى زوراً – وجوراً – وبهتاناً، فكيف تكون أماً حنوناً من تمنح قطعة من أرض “أبنائها” المفترضين – لواء اسكندرون – لمحتّل تركي غاصب؟؟ وكيف تكون أماً حنوناً من تغادر “أولادها” اللبنانيين وقد تركت في أحضانهم قنبلة متفجرة تدعى الطائفية كان لها، وما زال، اليد الطولى في تثبيتها ورعايتها وسقاية زرعها الشيطاني الخبيث؟؟!!

هنا نفهم، وإن كنا لا نتفهّم، كيف ولماذا يسعى ماكرون لرعاية مشاريع انفصالية في سورية، فالرجل الذي خسرت بلاده كل قدرة لها على التأثير في الأزمة السورية حين أغلقت سفارتها في دمشق – مجاراة لبعض الواهمين ومخالفة لسياسة تقليدية فرنسية ثابتة- والرجل الباحث عن دور شخصي له، لم يجد، في ظل حقيقة محدودية فعله وقدرته على المستوى الجيواستراتيجي العالمي، سوى اللهاث خلف الأمريكي ومشاريعه، فعندما لاحظ أن واشنطن ترعى هؤلاء الانفصاليين سارع للسير أمامها ليقول للأمريكي أنه خير منفذ لسياساته، وذلك هو عين ما فعله في لبنان مثلاً حين جاء إلى “قصر الصنوبر” ليهدد الساسة اللبنانيين هناك إن لم يتقيدوا بـ”مبادرته” الشهيرة، المفلسة سلفاً لأسباب بنيوية وموضوعيّة وذاتية معروفة للقاصي والداني، ثم تحوّل إلى طفل – بالمعنى السياسي – غاضب و”زعلان” لأن أحداً ما أعطب لعبته في لبنان، وهذا الفشل والتحوّل دليلان بيّنان على حقائق القوة وتحولاتها، وللتذكير هنا، في لبنان، كان عليه أن يستفيد ويقرأ في حقيقة أن كل زيارة رئاسية له إلى بيروت، كان يكفي أن تليها زيارة موظفين أمريكيين، بمستوى “ديفيد هيل، أو “ديفيد شنكر” – لاحظوا الفرق في التراتبية الوظيفية – كي تنفذ أدواتهم المحلية برامج عمل مضادة لنسف مبادرته بالكامل.

بالمحصلة، دعم ماكرون للانفصاليين في سورية نابع عن بحث مستميت عن نصر شخصي، وإن كان مستتراً بغطاء أمريكي، ينقذه من خيباته الداخلية والخارجية المتتالية، لكن من فشل في لبنان، بالرغم من كثرة أتباع “الأم الحنون” هناك، لن ينجح في سورية حيث “الشعب الذي انتصر على الإرهاب سينتصر على أعداء الوطن من عملاء داخليين وأعداء خارجيين” مهما طال الزمن.