دراساتصحيفة البعث

أولويات إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي

محمد نادر العمري

في مطلع شهر آب القادم يتسلّم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وفريق إدارته من وزراء ومسؤولين ومستشارين دفة الحكم رسمياً من سلفه الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، في ظل ظروف متغيرة وتحديات جمة وتطورات متسارعة تشهدها الساحتان الداخلية والخارجية.

على صعيد السياسة الداخلية

على صعيد محددات سياسته الداخلية، سيكون الرئيس رئيسي وإدارته أمام أولويتين، تبرز الأولى في تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للشعب الإيراني إثر العقوبات والحصار الاقتصادي الجائر بحق الشعب الإيراني، وبلغ ذروته حتى تدنت قيمة عملته الوطنية بما يتجاوز 120% بين عامي 2018- 2020، وتجمدت أرصدته في البنوك الخارجية، بينما تتمثّل الأولوية الثانية في الاستمرار بالإصلاح الإداري والمالي، وبخاصة في ظل تناغم المجلس التشريعي والسلطات السياسية والروحية معه باعتبارها تنتمي لنهجه وأيديولوجيته السياسية المحافظة.

هاتان الأولويتان تعتبران حاجة داخلية بالدرجة الأولى، وتكملان بعضهما من ناحية ثانية، ومن شأن ذلك الارتقاء بالداخل الإيراني وزيادة تماسكه من ناحية ثالثة.

وبالعودة لهاتين الأولويتين فإن برنامج الرئيس رئيسي لا يمكن أن يحقق نمواً اقتصادياً دون وجود بيئة تشريعية واستثمارية من شأنها أن تدفع عملية النمو، وزيادة الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم كل التسهيلات لتنويع سلع الخدمات لتحقيق زيادة في الاكتفاء الذاتي، ما يقلل من ضرورة الاعتماد على الخارج لتلبية المقومات الأساسية من الحاجات المعيشية والصناعية والتجارية.

في هذا الإطار، ستستفيد الإدارة الجديدة من الاتفاقية الاستراتيجية التي وقّعتها إدارة الرئيس روحاني مع الصين في إطار الحزام والطريق، فهذا المشروع يعتبر أن القسم الغربي من إيران مجال حيوي وهام لخط مسيره باتجاه أوروبا، والاستفادة تنبع من قيام الصين بترميم البنى التحتية القديمة، وبناء بنى جديدة، ما يساهم في تعزيز طرق التجارة، ودخول شركات صينية للسوق الإيراني بمختلف مجالاته، وهو ما سيعزز من إمكانات إيران بالاستفادة من هذه الشركات في خبراتها وقدراتها وديناميكية عملها، وسيقلل في المقابل من اعتماد إيران على الشركات الغربية واستثماراتها التي كانت في كثير من المراحل أدوات الغرب الغليظ للضغط على إيران، وبخاصة في الصناعات الثقيلة والطاقة.

تبقى هناك أولويات أخرى لدى الإدارة الإيرانية الجديدة، كالوضع الأمني وتعزيزه في مواجهة ما يخطط لإيران من خروقات مستمرة، وبخاصة بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني في العراق، والبروفيسور محسن زادة غرب العاصمة إيران، في اختراق اعتبر الأخطر والأهم، لذلك ستهتم هذه الإدارة أكثر، وستولي اهتماماً لحماية الحدود المتوترة مع أذربيجان في الشمال الغربي، والعراق غرباً، وأفغانستان في الجنوب، ويمثّل تحصين المناطق الحيوية الإيرانية الأمنية أولوية لدى إدارة رئيسي، وزيادة دعم الحرس الثوري لمنع حصول اختراقات في المجال السيبراني، بعد الاختراقات التي شهدتها إيران مؤخراً، وبخاصة في مفاعل بوشهر النووي الذي شهد حرائق نتيجة خرق اعترفت به الجمهورية الإسلامية، وفي هذا الإطار قد تشهد الصناعات العسكرية التي حققت مؤخراً تقدماً المزيد من الدعم والرعاية لتحقيق الاكتفاء الذاتي عسكرياً وتكنولوجياً وأمنياً.

على صعيد السياسة الخارجية

هناك قاعدة شبه راسخة في تاريخ العلاقات الدولية قوامها أن السياسة الخارجية وقوتها وفعاليتها تنبع من السياسة الداخلية، وبناء على ما سبق فإن الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي وصفته صحيفة “وول ستريت جورنال” بأنه الرجل الصلب بالمواقف نتيجة انتمائه لتيار المحافظين، سيعتمد سياسة خارجية أقل ما يمكن وصفها بأنها “متصلبة لصالح الحفاظ على مصالح إيران ومصالح حلفائها”، وهذا ما برز في مبادئه الثلاثة التي أعلنها في برنامجه بعد الفوز بالانتخابات التي تشكّل بوصلة محددات سيتبعها مع إدارته في السياسة الخارجية، وهذه المبادئ تستند إلى: الأمن من موقع القوة والاقتدار، والسلام من موقع القوة والقدرة، والتفاوض والدبلوماسية من موقع العزة والمصلحة، وهي تعني بأن الاعتماد على الإمكانات الذاتية سيمنح إيران قوة في الحرب والسلم، وأن المواقف لن تتغير مهما كانت الإغراءات والتهديدات، ومن هنا قد تكون صحيفة “وول ستريت جورنال” قد أصابت بوصفه الرجل الصلب.

ولا شك أن هناك أربع أولويات، وهي تمثّل تحديات في الوقت نفسه لإدارة رئيسي فيما يتعلق بسياستها الخارجية، قمة هذه الأولويات التي تفرض نفسها بقوة في جدول أعماله هي مسألة الاتفاق النووي مع الدول الغربية ومصيره الذي مازال مجهولاً حتى اليوم رغم جو التفاؤل الذي ظهر مؤخراً لعودته للحياة والتطبيق مع استلام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في البيت الأبيض.

فالغرب سيتعامل مع إدارة وشخصية رئيسية اعتبرت في السابق أن الاتفاق كان وسيلة للغرب للتضييق على إيران، وأنها لم تلتزم بوعودها، وبالتالي فإنه سيطلب بالدرجة الأولى تطبيق إجراءات عملية من الغرب للتأكد من نواياه لاستكمال الاتفاق، وهو ما سيزيد تأزم الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تنجح سياسة العقوبات ولا التلويح باللجوء للقوة العسكرية في تغيير مواقف إيران تجاه الاتفاق، كما أن الرئيس الجديد سيرفض رفضاً قاطعاً إدخال أي تعديل على الاتفاق، وهو ما سيجعل الغرب بين ثلاثة مسارات: إما العودة للاتفاق دون شروط، ومن ثم تطوير العلاقات مع إيران في محاولة لاحتوائها، أو بقاء الاتفاق على ما هو عليه في إطار التجاذب وكسر العظام، أو شن عدوان على إيران لإجبارها على تقديم تنازلات، وهذا الخيار الأخير يبدو شبه مستبعد في ظل ما تملكه إيران من مقدرات دفاعية وهجومية ستكبّد واشنطن خسائر غير محتملة، ونتيجة اهتمام الإدارة الأمريكية بمقارعة روسيا والصين، ونقل الصراع إلى آسيا الوسطى والمحيط الهندي.

الأولوية الثانية هي علاقات إيران الثنائية مع دول الإقليم، وبخاصة السعودية وتركيا، فالجهة الأولى السعودية غير قادرة على الاستمرار بمقارعة إيران لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، وقد تتوصل لصيغة إدراك أن من يقود الدفة اليوم في إيران لن يكون دبلوماسياً لدرجة أسلافه، فهو يعلي مصالح إيران وشعبها على أية مصالح أخرى، وقد بعث برسائل دبلوماسية في خطابه الأول لتنقية العلاقات دون شروط ودون استثمار، في حين أن النظام التركي لن يكون مرتاحاً كثيراً لوجود إدارة محافظة في سدة الحكم في إيران، ورغم التقارب والتعاون والحاجة المتبادلة للجانبين، إلا أن المواقف التي يتخذها النظام التركي في سورية والعراق وفي أفغانستان مجدداً ستشكّل خطراً على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية في إيران، ولن تمر مرور الكرام، فضلاً عن الدور التركي الخادم للمشروع الأمريكي والأطلسي في المنطقة .

وتتمثّل الأولوية الثالثة في تعزيز مقدرات حركات المقاومة في المنطقة، وهو ما بدأ يترجم في تقارير ودراسات مراكز الدراسات الأمريكية المقرّبة من دوائر صنع القرار، ما قد يكون سبباً أيضاً لمسارعة الإدارة الأمريكية لإعلان انسحابها قبل نهاية العام الحالي من العراق.

الأولوية الرابعة هي العلاقة مع الغرب، ويمكن تقسيمها لشقين: الأول مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ لن يخرج الرئيس رئيسي عن الثوابت الإيرانية مهما كانت نتائج الاتفاق النووي، وهذه العقلية مؤمنة بأن العلاقات مع أمريكا مذلة، وأن أمريكا هي سبب الفوضى في المنطقة، مقابل تعزيز العلاقات مع روسيا والصين اللتين تشتركان مع الجمهورية الإيرانية في المواقف المناوئة للسياسة الأمريكية.

أما الشق الثاني فيكمن في العلاقة مع الدول الأوروبية التي لن يقطعها الرئيس رئيسي وسيبقيها مفتوحة، ولكن في إطار المبادئ التي حددها لولايته ضمن استراتيجيته المقررة، وبخاصة موقع العزة والمصلحة، والعزة في العلاقات الندية وضمن المصلحة لإيران وشعبها، وهي أولى أولويات إدارته.