دراساتصحيفة البعث

الأوروبيون يقرعون ناقوس خطر التغيير الديموغرافي

محمد نادر العمري

هناك الكثير من التحديات التي باتت اليوم تشكّل عبئاً يتصل بمختلف اتجاهات الحياة ويمسّ بكل قطاعاتها في النظام الأوروبي، فإلى جانب الملف الأمني والمخاطر التي يشكلها تسرب الإرهابيين وعودتهم إلى بلادهم، يشكّل بالمقابل ملف الهجرة، بما يحتويه من إشكاليات ومخاطر وتهديدات تشمل الكثير من الجوانب، العبء الأكبر على القارة الأوروبية، لأنه يضع أوروبا في حالة عدم استقرار في ظل استخدامه كأداة ابتزاز من قبل النظام التركي، واستغلال اليمين المتطرف لهذا الملف لجذب تيارات عنصرية لصفه في الاستحقاقات السياسية، والخشية من نمو مجموعات عنصرية تتعاطى بمنهج التطرف الفكري والوجودي ضد المهاجرين، الأمر الذي يولد مخاوف اجتماعية وسياسية وأمنية سترخي بظلالها على الوضع الاقتصادي بكل تأكيد.

صحيح أن المجتمعات الأوربية أو بعضها على الأقل، مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية، عانت خلال العقود الثلاثة السابقة من ضعف النمو السكاني فيها، وخاصة انخفاض نسبة الشباب إلى أقل من 22%، إلا أنها  استفادت من بعض موجات الهجرة في مراحلها الأولى، وخاصة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 42 سنة. لكنها اليوم بدأت تعيش واقعاً مخيفاً بدأت معه مراكز البحوث الاجتماعية والسكانية الأوروبية تحذر منه، حيث بات في مقدمتها التغيير الديموغرافي وما قد يتضمنه من تداعيات من المؤكد لن تكون بالعارضة أو التفصيلية.

لقد بدأت بعض المدن الأوروبية تشهد تجمعات سكانية من أعراق وثقافات مختلفة، وهو ما بدأ يؤثر في تغيير أنماط مجتمعات هذه الدول، وخاصة أن نسبة معدلات ولادة هذه الجماعات المهاجرة أكثر من مثيلاتها المستضيفة بنسبة 5 إلى 7% وفق دراسات المركز الأوروبي للإحصاء، وهو المركز الذي دقّ ناقوس الخطر في عام 2019 بتقرير تضمن ما مفاده: “الدول الأوروبية تتمتّع بسيادة القانون الذي ينظم العلاقات بها، ولكن في المقابل لديها من الديمقراطية ما يسمح بحرية المعتقدات وممارسة الشعائر للمهاجرين طالما لا تهدّد الأمن في هذه الدول، وهو ما سيجعل هذه الجماعات التي استغلت ضعف معدلات النمو في المجتمعات التي تتواجد بها، ترسخ وجودها وتفرض عاداتها وتقاليدها التي هي غريبة عن المجتمعات الأوروبية”.

كما أن بعض المختصين في الشأن العام الأوروبي بدؤوا منذ عام 2018 بتقديم دراسات حول مخاطر تغيير الواقع الديموغرافي في المجتمعات الأوروبية، حيث ركزت معظم الدراسات على جانبين اثنين حول مخاطر هذا التغيير من الناحية الأمنية، يكمن الخطر الأول في قدرة إرهابيين متمرسين على القتال ويحملون فكراً متطرفاً من التسرب بين هؤلاء المهاجرين، ونتيجة تمرسهم العنف سيلجؤون لاستغلال فقر المهاجرين وكذلك امتعاض العنصريين من جذبهم نحو أعمال متطرفة.

أما الخطر الأمني الثاني فهو على مدى بعيد نوعاً ما، من خلال تكاثر المهاجرين وزيادة عددهم وتمسكهم بتقاليدهم وثقافتهم، وبعد تحسن مستوى معيشتهم الاقتصادية ومستوى نضوجهم السياسي، للمطالبة في مرحلة مقبلة بالتمثيل السياسي لهم، وقد تصل هذه المطالبة لدرجة الانفصال وإقامة أنظمة سياسية تمثلهم.

لهذا بات التغيير الديموغرافي الذي تشهده المدن الأوروبية يشكّل قلقاً وهاجساً مرتفع الوتيرة لدى النخب السياسية والفكرية والأكاديمية الأوروبية، وحتى الأمريكية منها، لأنها على المدى الطويل ستخلف تداعيات أكثر من الفوائد الآنية التي حقّقتها اقتصاديات هذه الدول في المرحلة السابقة، وهي تشكل خطراً له طابع الديمومة ولا تقتصر تداعياته على مخاطر أمنية محدّدة زمنياً يمكن مواجهتها بزيادة التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية ورفع ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية في هذه المجتمعات. لذلك طالبت هذه النخب مؤخراً بأن يقتصر وجود اللاجئين على فترة مؤقتة وألا يقيموا في مناطق جغرافية وسكانية واحدة وذات طبيعة متصلة.