اقتصادصحيفة البعث

الخطوط الحمراء

سبق لوزير المالية أن تحدّث عن الخطوط الحمراء، ونفى وجودها في الوزارة وخاصة في الجمارك التي كانت ولا تزال عرضة لانتقاد وهجمات التجار، وقد حاولت غرف التجارة على مدى السنوات بل والعقود الماضية أن تضع حدوداً “يسميها البعض خطوطاً حمراء” لعمل الجمارك، كأنّ يقتصر نشاطها على المنافذ الحدودية حصراً!.

وبما أن الأنظمة النافذة تتيح للجمارك مراقبة البضائع الداخلة والخارجة من وإلى المدن، فهل يسعى التّجار إلى مخالفة القوانين أم استثنائهم منها؟.
لو أن جميع التجار ملتزمون بالأنظمة وباستيراد أو بطرح السلع والمواد النظامية والآمنة صحياً والتي لا تعرّض سلامة وصحة المواطنين للخطر، لوجدنا من يتعاطف مع مطلبهم ويعدّه مشروعاً!. ولكن ما يحدث يومياً من مصادرة لأطنان من المواد منتهية الصلاحية والمهربة والفاسدة المخزنة في مستودعات على أطراف المدن، يؤكد ضرورة استمرار الجمارك في عملها، بل يؤشر على قصورها في منع تسلّل هذه السلع إلى داخل المدن.
ولنتخيّل لو أن مطلب التّجار تحقق وأصبح دخول الجمارك إلى المدن خطاً أحمر، وتسييرها للدوريات بين المدن خطاً أحمر أيضاً.. ترى كيف سيصبح الحال في الأسواق؟.
لقد اعترفت غرف التجارة في مناسبات عدة بقيام عدد غير قليل من التّجار بتشويه سمعتها ووصفت بعضهم بالدخيل على المهنة، ومع ذلك تطالب بتحييد الجمارك ومنع دخولها للمدن والمستودعات.. فلماذا تفعل ذلك؟.
لا أحد سيفرح بوضع خطوط حمراء للجمارك أكثر من التجار المهربين الذين يلحقون الضرر والتخريب باقتصاد الوطن وصحة المواطن!.
نحن أمام فئتين من التجار: الأولى وتشكل الأكثرية تستورد عبر القنوات الرسمية، والثانية قلة تقوم بتهريب سلع أغلبها فاسد ورديء جداً.
السؤال: هل يرضى المستورد النظامي إخراج الجمارك ومنعها من عملها ليسرح ويمرح التاجر المهرّب بالأسواق دون أي حسيب أو رقيب؟.
وبدلاً من المطالبة بوضع خطوط حمراء للجمارك يجب على غرف التجارة والصناعة ابتداع آليات تنسيق فعالة مع الجمارك تتيح اجتثاث التجار المهربين من جذورهم. وواحدة من هذه الآليات الفوترة التي لا تزال غرف التجارة متحفظة على تطبيقها بذريعة أن تداولها في سورية أمر مستحيل، ترى لماذا تطبيق الفوترة من الأمور المستحيلة؟.
ألا يعني ذلك أن التجار قد اعتبروا الفوترة أحد الخطوط الحمراء.. أم ماذا؟.
وإذا كان التجار يشتكون من وجود عناصر فاسدة في الجمارك، فالحلّ لا يكون بوضع خطوط حمراء لعملها داخل المدن، وإنما بالكشف عن هؤلاء الفاسدين لمحاسبتهم واجتثاثهم لا بالتستر عليهم إن وُجدوا!.
والجهات المعنية بما فيها وزارة المالية لم تقصّر بإعفاء الفاسدين الذين ثبت تورطهم بقضايا فساد إداري أو مالي ومحاسبتهم. أما اتهام عناصر جمركية بالفساد فهذا أمر وارد وطبيعي من تجار لم يتمكنوا من تمرير بضائعهم بصورة نظامية.
وبالمختصر المفيد: ما من فاسد في الجمارك إلا وله شريك تاجر يشجعه على الفساد، بل يمكن أن نجزم أن المفسدين من التّجار هم الداء والبلاء وسبب انتشار الفاسدين في كل مكان.
علي عبود