رأيصحيفة البعث

من “العظمة” إلى “الشغري” مسار بطولة وإباء

أحمد حسن

في 25 آب عام 2014 صرخ الجندي السوري” يحيى الشغري” -والبندقية موجّهة إلى رأسه – في وجه جلاده الداعشي: “والله لنمحيا”، رغم معرفته بإمكانية النجاة بنفسه لو خضع لما أراده الجلاد، لكنه، بفطرته الوطنية السليمة، عرف أيضاً أن مصير البلد بأسره هو الجمرة التي حملها معه حياً، وأن واجبه الرئيس حملها ميتاً كي تبقى مستعرّة للأبد.

قبل ذلك بنحو مائة عام كان وزير الدفاع السوري يوسف العظمة قد أودع وحيدته “ليلى” أمانة في عنق بعض أصدقاء دربه، وخرج على رأس كوكبة من الرجال، متواضعة العتاد والعديد، لمواجهة المعتدي الفرنسي رغم أنه كان لا يجهل فرص النجاة بنفسه لو خضع، كما سواه، لإنذار “غورو” الشهير، لكنه كان يعرف أولاً أن ضميره قبل واجبه، ومعه، يحتم عليه ألا يدع المحتّل يدخل بلده دون مقاومة، ولأنه كان يعرف أيضاً وأيضاً أن دمه، ودم رفاقه، سيكون الزيت الذي سيغذي تلك الشعلة المقدّسة التي تدعى الحرية في نفوس أحرار البلد.

بين هذين العامين، وبعدهما، كان الجندي السوري، ولازال – بغض النظر عن رتبته العسكرية – حاملاً أبدياً لإرث جمرة الحق والواجب بين يديه، موقناً أنه وحده الكفيل، والموكل، بحمايتها، وأن قدره، ورفاقه، أن يظلوا، كما قال الرئيس الأسد: “أملاً لكل حر شريف” يحملون “راية الحق” ويصونون “قيم العدالة والسلام”.

ولأن العدو يعرف ذلك عز المعرفة كان استهداف الجيش العربي السوري، مادياً ومعنوياً، هدفاً دائم له. ذلك كان الهدف الأول خلف عدوان “السادس من حزيران”، وكان أيضاً الهدف المستتر في فتنة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وحين فشل ذلك “حشدوا ماكيناتهم التضليلية والنفسية وجيشوا أدواتهم الإرهابية” ضد هذا الجيش، لكنهم “فشلوا في نهاية المطاف” لأن أفراده، كانوا، كما وصفهم الرئيس الأسد، “دائماً وأبداً على قلب رجل واحد أقوياء متماسكين متعاضدين متكاتفين، أخوة في السلاح بكل ما للكلمة من معنى، يشد بعضكم من أزر بعض، فلا تنفصم لكم عروة ولا يذل من احتمى بحماكم”.

ولأنهم كذلك، فقد كان من الطبيعي أن يعاود هذا الجيش وبعد نحو مائة عام من أمثولة “يوسف العظمة” تقديم وزير دفاع جديد ومعه كوكبة من ضباط القيادة العليا على مذبح الوطن في حربه الشرسة القاسية مع خليط عجيب من الأعداء جمع ما بين جيوش نظامية لدول عدّة ومجاميع إرهابية “معولمة” برؤى خلاصيّة غريبة نسجت روايتها من تهيؤات دينية ودنيوية مخاتلة، واعتدت على السوريين تحت يافطات إنسانية الطابع وحشية المضمون عدوانية الهدف النهائي لإركاع شعب حر، وإبادة فكرة القرار المستقل، ونهب ثروات واقتطاع جغرافيا في حرب تجاوزت بمدتها الزمنية مجموع الحربين العالميتين الأولى والثانية، ضُخت فيها أموال للتدمير أكثر مما ضخ في مشروع “مارشال” الإعماري، وأُريقت فيها “مياه وجوه” ملوك ورؤساء تكفي لإسالة نهر صغير من الخسة والدناءة والعمالة، واُشتريت فيها فتاوى الدم والذبح لاكمال المجزرة، وبيع في سوقها رجال دين ودنيا من مختلف الأمم والجنسيات.

وبرغم ذلك كله إلا أن الجيش العربي السوري، بمجاميعه وأفراده، لم يلن ولم يضعف فكان “الأشد والأصلب إذ اشتدت المحن” و”الأعز والأرقى إذ هان الآخرون وارتضوا لأنفسهم الذل والارتهان”، وهو لا زال في الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسه “يواصل العطاء والعمل دون كلل أو ملل”، ولا زال يردّد في الصباح “عرين العروبة بيت حرام”، ويعيد في المساء ترتيلة “يا يوسفُ العظماتُ غرسُكَ لم يضعْ وجناهُ أخلَدُ من نتاج قرائحِ”.