مجلة البعث الأسبوعية

تكثيف الحرب الأمريكية الألمانية الهجينة ضد بولندا

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة

تتعرض بولندا اليوم لهجوم مكثف من قبل الولايات المتحدة وألمانيا، بعد أن أجلت حليفتهما الدنمارك خطتها لبناء خط أنابيب غاز في البلطيق. وتستخدم صحيفة “واشنطن بوست” نفوذها من خلال افتتاحيات دامغة تطلب من صانعي السياسة الأمريكيين مواجهة الخطط البولندية لاستعادة السيطرة على شبكة تلفزيونية مملوكة للولايات المتحدة تعارض الحكومة البولندية. كما أصبح رسمياً الآن أن الولايات المتحدة وألمانيا قد توصلتا إلى اتفاق مع روسيا بشأن نورد ستريم2.

وينقلب الوضع الجغرافي الاستراتيجي لبولندا من سيء إلى أسوأ، بعد أن عانت من هجوم مكثف في الحرب الهجينة للولايات المتحدة وألمانيا في نهاية شهر تموز. وتتلاقى كل نقاط ضعف بولندا مع تجاهلها للواقع الإقليمي سريع التغير، حيث تتفاوض الولايات المتحدة وروسيا بنشاط بشأن ما يمكن تسميته “ميثاق عدم اعتداء”، والذي يعد بأن يكون على حساب المصالح الوطنية البولندية، كما تراها بولندا. وتساهم ألمانيا في هذه العملية، وتأمل باستخدامها لإخضاع بولندا للهيمنة القارية التي تطمح إليها. وتعارض القوى العظمى الثلاث أيضاً “مبادرة البحار الثلاثة”، بقيادة وارسو، والتي كانت إدارة ترامب دعمتها بحماس لدورها “المتوازن” في الشؤون الأوروبية، بينما تعتبرها إدارة بايدن الآن عقبة أمام أهدافها الخاصة.

الحدث الأخير، مشروع بناء خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق، والذي تعقد عليه بولندا أمالها، تم تأجيله للتو من قبل الدنمارك، حليفة كل من الولايات المتحدة وألمانيا. وهذا التأخير له تأثيره الكبير على السياسة البولندية لتأمين تدفقات الطاقة، وبالتالي سيجبرها على الاعتماد على الإمدادات الروسية، وهي أرخص لكنها “حساسة سياسياً” (من وجهة نظر القادة البولنديين). وقبل هذا الحدث مباشرة، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” المؤثرة افتتاحية تناشد فيها صانعي السياسة الأمريكيين مواجهة الخطط البولندية لاستعادة السيطرة على شبكة تلفزيونية مناهضة للحكومة مملوكة للولايات المتحدة، والتي تورطت مؤخراً في الفضائح. وتنتهي الافتتاحية بنذير شؤم: “على الولايات المتحدة أن تستخدم كل نفوذها لضمان بقاء الصحف الإخبارية التلفزيونية المستقلة في البلاد.. أخيراً، أصبح الخبر رسمياً الآن: توصلت الولايات المتحدة وألمانيا إلى اتفاق مع روسيا بشأن نورد ستريم 2، والذي تعتبره بولندا مخالفاً لمصالحها الوطنية.

قد يقارن خبراء التاريخ هذا الحدث عن حق بـ “الخيانة الغربية” الشائنة في القرن الماضي، على الرغم من أن العواقب لم تكن، حتى الآن، دراماتيكية جيوسياسياً كما كانت في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن بولندا تواجه خطراً واضحاً بفقدان سيادتها التي تحققت بشق الأنفس، إذا نجحت الثورة الملونة الأمريكية الألمانية، وأصبحت بولندا مرة أخرى تابعة لبرلين، وأجبرتها الظروف على الانخراط مرة أخرى مع روسيا، ولكن كشريك صغير، وليس على قدم المساواة. ولن تكون هناك حاجة إلى مزيد من التقسيم لبولندا، فقد عاد هذا البلد الآن تقريباً إلى دولة “نقية عرقياً”، باستثناء أعداد كبيرة من المهاجرين الأوكرانيين الذين دخلوا البلاد في السنوات الأخيرة. ويمكن التعامل مع جميع المؤثرات الخارجية في البلاد (الأمريكية والألمانية والروسية) من خلال المنبر المدني لدونالد توسك إذا استعاد السلطة، وقد اعتادت بولندا أن تكون لاعباً في البيئة الجيوسياسية الإقليمية خلال عهد ترامب. وها هي تصبح مرة أخرى تحت رحمة هذه البيئة تحت قيادة بايدن.

المأساة هي أنه كان من الممكن تجنب كل هذه الأحداث، وكان ذلك واضحا منذ بداية هذا العام. فمنذ اللحظة التي استولت فيها قوى بايدن الليبرالية العولمية على السلطة في البيت الأبيض، كان ينبغي على حكومة المحافظين “القوميين البولنديين” أن تفهم أن الحرب الهجينة التي أثيرت ضدهم ستشتد بسبب الرؤى الأيديولوجية المشتركة بين واشنطن وبرلين، والمناقضة لرؤى وارسو. كان على حزب القانون والعدالة الحاكم أن يدخل على الفور في محادثات سرية مع روسيا عندما علم من وسائل الإعلام في وقت سابق من هذا العام أن بايدن كان يخطط للقاء بوتين. وكان بإمكان بولندا وروسيا البدء في التفاوض بشأن “اتفاق عدم اعتداء” الخاص بهما مع بيلاروسيا وأوكرانيا من أجل تحسين مواقفهما الاستراتيجية في المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي كان من الممكن أيضاً أن تجنب بولندا رؤية نفسها مضطرة للرد على كل ما تفاوضت عليه الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا خلف ظهرها، كما هو مسجل الآن.

لم يفت الأوان بعد على بولندا للشروع في هذا المسار، على الرغم من أن موقفها التفاوضي قد تضاءل بشكل حاد، الآن، بعد أن وجد خط أنابيب غاز البلطيق نفسه متأخراً من قبل الحليف الدنماركي للولايات المتحدة وألمانيا (بلا شك في إطار اتفاقية عدم اعتداء بين الولايات المتحدة وروسيا). كما أن روسيا لا تخلو من إدراك الوضع اليائس المتزايد لبولندا بالمعنى الاستراتيجي، بحيث قد يطلب الكرملين تنازلات أكبر حول رؤية “مجال نفوذ” حدوده المشتركة مع بيلاروسيا وأوكرانيا. وكان من الممكن أن يكون الأمر مختلفاً تماماً لو أن المفاوضات البولندية الروسية قد بدأت قبل بضعة أشهر، على سبيل المثال. وتتمثل إحدى الطرق الممكنة لتحسين نفوذها في هذا الصدد أن تقترب بولندا من الصين من أجل تحقيق توازن ضد الولايات المتحدة، تماماً كما فعلت أوكرانيا المجاورة للتو. وبالتالي، يمكن أن تهدف بولندا إلى تحويل نفسها إلى جسر اقتصادي مهم بين الشرق والغرب، ثم استخدام هذا الدور الجغرافي الاقتصادي لإغراء روسيا ودفعها لمنحها دوراً أكثر “توازناً”.

أياً كان ما يقرره في النهاية، يجب على حزب القانون والعدالة إيجاد طريقة لتخفيف الضغط الأمريكي الألماني المشترك، ثم إعادة تركيز جهوده على التهرب من محاولاتهما تحييد السيادة البولندية. ومثل زميلتها تركيا العضو في الناتو، التي تحولت إلى الشرق ببراغماتية بعد تعرضها لضغط غير مسبوق من الغرب قبل بضع سنوات، فإن بولندا تخاطر بالمرور بنفس الشيء، أو تخاطر بفقدان كل شيء. قد يكون من الصعب جداً على حزب القانون والعدالة فهم هذا الموقف لأسباب “الاستقامة السياسية”، لكن عرّابه الأمريكي قد وضع سكيناً في ظهره، ودفع تعويضات لبولندا: “ألمانيا.

النهاية قريبة بلا شك ما لم تنخرط بولندا بشكل عاجل في محور نحو الشرق، وتتطلع إلى روسيا والصين من أجل الحفاظ على سيادتها وتعزيز قدراتها على “الأمن الديمقراطي” من أجل صد الهجوم الأمريكي الألماني المختلط. وإذا لم ينجح حزب القانون والعدالة، فستضطر بولندا إلى الخضوع للهيمنة الألمانية، ولن تخرج منها أبداً.