مجلة البعث الأسبوعية

هل يفعلها المحروس على طريقة مانشيني ويعيد الفرحة لمنتخبنا؟

“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر

قام اتحاد كرة القدم بالرضوخ لطلبات الشارع الرياضيّ للمرة الأولى ربما، عندما تعاقد مع مدربنا الوطني نزار محروس لقيادة المنتخب في سباق التأهل إلى مونديال قطر، ورفع هذا التعاقد من آمال محبي كرة القدم لعل المحروس يكون الدواء لداء لم يستطع أحد من المحللين أو المختصين الوصول لتشخيص له، فتارةً العطل في الكادر الفني وتارةً في الإداري وأخرى في اللاعبين، وأغلب الظن أن كل تلك الأمور مجتمعة كانت سبباً في زعزعة حلم التأهل.. لماذا؟ ببساطة لأن المطلوب كان رؤية مستقبلية على غرار ما يفعله المدربون الأوروبيون وليس رؤية مقتصرة بمهمة التأهل فقط، وهنا كان التغيير الأبرز الذي لمسناه منذ موافقة المحروس، فالنظرة الأولى إلى الكادر المتخصص الذي طلبه تعطينا انطباعاً بجدية الرجل واحترامه لتاريخه أولاً ثم مهمته.

وبالحديث عن التاريخ، فمؤهلات ومواصفات المحروس ووضع منتخبنا وإمكانيات لاعبينا تشبه إلى حدٍّ كبير المنتخب الإيطالي عند استلام مدربه الحالي (“ملك الهدوء” كما تصفه الصحافة العالمية)، روبيرتو مانشيني، والذي استطاع تحقيق إنجاز تاريخي بكل ما في الكلمة من معنى، ليس بتتويجه بلقب “يورو 2020″، قبل أيام، ولكن بالتغيير الكبير الذي جعل المنتخب الإيطالي ينتقل من منتخب أقصي من الدور الأول لكأس العالم، في نسختي 2010 و2014، وفشل بالتأهل إلى 2018، إلى مرشحٍ أوّل للمونديال القادم في قطر 2022.

في 13 تشرين الثاني 2017، تعرض المنتخب الإيطالي لأقصى فشل في تاريخه بتعادله مع نظيره السويدي بدون أهداف في ملحق التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018، ليس لنتيجتها بل لأنه أقصي عن المشاركة في المونديال، للمرة الأولى منذ 1958، تاركا وراءه أربعة ألقاب عالمية، وأجيالاً من اللاعبين الذين أبهروا ملايين العشاق حول العالم، ليعيش بعدها الطليان في حالة من الذهول والضياع وانهيار في المعنويات، فالكبوة هذه المرة ستطول، والعودة لن تكون قريبة، سيما وأنه ما من بشائر كانت تلوح في الأفق عن وجود جيل جديد يعوّض ذلك الذي فاز بلقب كأس العالم 2006، وهنا ربما يكون الفارق الأقوى مع حال لاعبينا، فكثيرون يرون أن الجيل الموجود من اللاعبين السوريين، وخاصةً من يلعبون في الخليج او أصحاب الأصول السورية، قد لا يتكرر مرة أخرى في تاريخ كرتنا.

عامان فقط كانا كفيلين بنقلة نوعية بين عهد المدرب السابق جان بييرو فنتورا والحالي مانشيني الذي استلم مهامه في 14 أيار 2018، لكن الفرق شاسع جداً بين أسلوبين وفكرين وطريقتي لعب مختلفتين، بين كرة قدم إيطالية كلاسيكية اعتمدها الأول وأسلوب حديث يعتمد على العناصر الشابة مع وجود لاعبين يمثلون التاريخ، كالقائد جورجو كيليني وليوناردو بونوتشي قلبي الدفاع، فالفكر الجديد الذي جاء به صاحب الـ 56 عاماً كان هدفه بناء منتخب لمستقبل وليس لبطولة، باعتماده على تشكيلة شابة، على غرار فيديريكو كييزا ونيكولو باريلا، وهذه النقطة مهمة جداً بالنسبة لمنتخبنا، حيث تعالت الأصوات المنادية بأن يكون التعاقد مع المحروس طويل الأمد وليس بغرض التأهل أو البطولة الآسيوية بعد عامين، فلا يمكن أن نصنع هوية ونعيد البناء في عام أو اثنين.

مانشيني حطم الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر، ليصل إلى سلسلة 35 مباراة دون هزيمة، متجاوزاً بذلك رقم فيتوريو بوزو (30 مباراة حققه بين أعوام 1935 لـ 1939)، وفاز بكأس أوروبا وأوصل الآزوري إلى نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية، حيث سيواجه نظيره الإسباني في تشرين أول المقبل في سان سيرو، لكن بدايته بالتأكيد لم تكن صاروخية، فهو فاز ودياً على السعودية بهدفين لهدف، ثم خسر مع فرنسا وتعادل مع هولندا وبولندا وأوكرانيا قبل الخسارة مع البرتغال في أيلول 2018، في دوري الأمم الأوروبية، وهي الخسارة الأخيرة لإيطاليا والرسمية الوحيدة حتى الآن، وذكرنا هذه النقطة لتوضيح أن مهمة المحروس لن تكون سهلة في البدايات ولا يجب توجيه النقد السريع وإنما الصبر والتمهل.

والجميل في المنتخب الإيطالي غياب النجم الأوحد، فالفريق يلعب بروح وشكل جماعي وهو ما نأمل أن نجده في منتخبنا، لا أن نرى تنازعاً على شارة القيادة أو غيرها من الصغائر التي شابته في السنوات الأخيرة، بل نريد أن يكون حال نجمنا مدربنا المحروس كحال مانشيني النجم الإيطالي الأول، والذي يقف على الخطوط أنيقاً بربطة عنق تحمل ألوان علم بلاده.. ولم لا والمحروس يحمل من القواسم المشتركة مع مانشيني الكثير، فالأخير اختير كأفضل مدرب في موسم 2007 – 2008 من قبل زملائه، وحاز بالتالي على جائزة المقعد الذهبي السنوية، ومدربنا، صاحب الـ 58 عاماً، اختير كأفضل مدرب بتاريخ بطولة كأس الاتحاد الآسيوي، بحسب استفتاء صادر عن موقع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، متفوقاً على عدة مدربين، أبرزهم إيوان مارين وباسم مرمر وسلمان شريدة وعدنان حمد وبرانكو سلياميتش.

ليس هذا فحسب، فكما أكسب التعاقد مع مانشيني إيطاليا مدرباً يعرف طعم النجاح، إذ توج خلال مسيرته التدريبية بـ 13 لقباً، أبرزها، عام 2012، حين أهدى مانشستر سيتي لقبه الأول في الدوري الانكليزي الممتاز منذ 44 عاماً، إضافةً إلى ألقاب الدوري الثلاثة بين 2006 و2008 مع انتر الذي أحرز معه أيضاً لقب الكأس، على غرار فيورنتينا ولاتسيو، كسبنا مدرباً بذات الأهمية حيث حصد المحروس العديد من الألقاب محلياً وعربياً وآسيوياً، ولعلّ أبرز هذه الألقاب لقب كأس الاتحاد الاسيوي في موسم 2007، والوصافة 2012، وهو يعتبر أبرز المدربين السوريين الذين عملوا في التدريب خارج البلاد، وكان قد مثّل منتخبنا من العام 1982 ولغاية العام 1994، في أكثر من 100 مباراة دولية، ولعب مع أندية محلية وخارجية، ويعتبر من الجيل الذهبي لكرتنا الذي كان قريباً من تحقيق الحلم المونديالي، عام 1986، لولا الخسارة أمام العراق في المحلق المؤهل لمونديال المكسيك، وحقق ميدالية دورة المتوسط التي أقيمت في اللاذقية عام 1987، ووصيف كأس العرب في الأردن عام 1988.

ومن الإيجابيات وبوادر الخير التي لمسناها أولى خطوات مدربنا الذي سيُخضعُ منتخبنا للمرة الأولى لمعسكر تخصصي، حيث وجه اتحاد الكرة دعوةً إلى 28 لاعباً من بينهم 6 حراس للمرمى، للالتحاق بمعسكر متخصص فقط بحراس المرمى ولاعبي الدفاع والارتكاز مع معسكر آخر للاعبي خط الوسط.