دراساتصحيفة البعث

أزمة لبنان.. الاتحاد الأوروبي شريك!

الدراسات – ترجمة

يبدو الاقتصاد اللبناني المتعثر وكأنه المسمار الأخير في نعش جيل عانى آباؤه من حرب أهلية وأعاد بناء حياته من الصفر.. لبنان الآن في حالة من السقوط الحر، وهو ما دفع  البنك الدولي لوصف الأزمة التي تعصف في لبنان بأنها “ركود متعمد” نتج عن عدم رغبة “النخبة السياسية” في إعطاء الأولوية للإصلاحات.

وكان من الممكن تفادي كوارث لبنان وأزماته الاقتصادية، لكن السياسيين اللبنانيين  ركزوا على السلطة، مدركين أن أي إجراءات إصلاحية جادة ستعني الانتحار الوظيفي. كما أن التمسك بالسلطة يمكّنهم من الحفاظ على شبكة زبائنية خارج الدولة واستخدام مؤسسات الدولة كغنائم من تعيين الموالين إلى تخصيص العقود والصفقات فيما بينهم.

من هم هؤلاء الذين صنعوا كوارث لبنان؟ هم في الغالب مجموعة من أمراء الحرب الذين حكموا منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990. وهم نفس المجموعة التي كرست نظاماً طائفياً للفساد والإفلات من العقاب أدى إلى إثرائهم.

يمكن إرجاع جذور الأزمة إلى صيغة لبنان ما بعد الحرب الأهلية، حيث أدى اتفاق الطائف – لا مركزية إدارية، والقضاء على الطائفية، والتنمية المستدامة، والمساواة في الحقوق بين المواطنين- إلى انتقال سريع من الصراع إلى السلام، لكن كلما كان لبنان أكثر سلاماً لم يكن لديه سياسة تنمية اقتصادية مصاحبة، فقط استثمارات واسعة النطاق ذهبت عائداتها إلى جيوب النخبة السياسية.

في أيلول 2020، طلب من الرئيس ميشال عون أن يصف ما سيحدث إذا فشل لبنان في تشكيل حكومة جديدة. كان ردّه الصريح: “ننزل إلى الجحيم”. وبالفعل، لم تظهر أي حكومة جديدة لأن الأحزاب المكلفة بتشكيلها تواصل الخلاف على المناصب الوزارية. هذا الخلاف ليس سوى إلهاء عن النقطة الأكثر جوهرية، وهي أن الحكومة الوظيفية التي من شأنها أن تفوز بالدعم الشعبي ودعم المجتمع الدولي ستحتاج إلى أن تكون ملتزمة حقاً بالإصلاح، والقادة الحاليون غير قادرين وغير مهتمين بالإصلاح لأن التغيير الحقيقي سيؤدي إلى طردهم وحتى سجنهم.

المجتمع الدولي منخرط

كان ماكرون أول لاعب دولي رئيسي توجّه إلى لبنان، حيث التقى كبار السياسيين وحثهم على تشكيل حكومة مستقلة في غضون 14 يوماً بعد الانفجار، وهو ما كان أشبه بالمعجزة. رشح مجلس النواب سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، لكن، مرة أخرى، أدى الخلاف الداخلي على المقاعد والخلافات حول تفسير السلطات الدستورية إلى منع أديب من تشكيل حكومة، واستقال. كان ذلك في تشرين الأول 2020، وبعد ذلك كلف مجلس النواب الحريري بتشكيل الحكومة، لكنه أعلن أنه لن يكون قادراً على القيام بذلك، وتنازل عن دوره مرة أخرى، والذي تزامن مع مزيد من الانخفاض في قيمة العملة.

في غضون ذلك، كان الاتحاد الأوروبي قاسياً في الاستجابة للمطالب العامة بألا تجد المساعدة طريقها إلى جيوب القادة، ومنذ ذلك الوقت، صرح الاتحاد الأوروبي أنه لن يقدم أي مساعدة للبنان دون اتفاق على تشكيل حكومة إصلاحية. وبعد أيام قليلة من انفجار ميناء بيروت، انضم الاتحاد الأوروبي إلى البنك الدولي والأمم المتحدة في إصدار تقرير تقييم سريع للأضرار والاحتياجات أوضح أنه سيتعيّن على لبنان تنفيذ أجندة إصلاحية ذات مصداقية إذا أراد الوصول إلى المساعدة الدولية. وحدّد التقرير جملة من الإصلاحات السياسية والمؤسسية لمساعدة البلاد على التعافي، وهي استقرار الاقتصاد الكلي، بما في ذلك تدابير لاستعادة الثقة في المؤسسات المالية اللبنانية. وتدابير الحوكمة لتعزيز استقلال وشفافية القضاء، ومبادرات لتهيئة بيئة تشغيلية وظيفية للقطاع الخاص، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى تعزيز إطار المنافسة وبالتالي خلق سوق خالٍ من آثار الفساد الكبير، ونظام حماية اجتماعية يضمن الأمن البشري.

طوال هذه الأزمة، قاد ماكرون الجهود الدولية، لكن، في جوهرها، كان هذا لا يزال جهداً من النخبة إلى النخبة، حيث مثل نهجه سياسة فرنسية كلاسيكية بشأن لبنان. في نيسان 2018، شاركت قرابة من 50 دولة ومنظمة دولية في مؤتمر CEDRE الدولي بقيادة فرنسا لدعم تنمية الاقتصاد اللبناني كجزء من خطة شاملة للإصلاح الذي تنفذه الحكومة. كانت القروض البالغة 11 مليار دولار التي تعهدت بها الدول الغنية والمنظمات الدولية في المؤتمر مشروطة بإصلاحات هيكلية، لكن هذا لم يحدث. في غضون عام، كان الانهيار الاقتصادي في لبنان على قدم وساق، مع ارتفاع التضخم وارتفاع البطالة، حتى قبل جائحة كوفيد-19. لقد راهن ماكرون على أن لبنان يمكن أن ينخرط في إصلاح حقيقي وعميق لوضع حدّ للشبكات الزبائنية للطبقة السياسية، لكن في نهاية المطاف، ألقى ماكرون خطاباً يهاجم فيه السياسيين اللبنانيين، قائلاً إنهم خانوا شعبهم وتراجعوا عن تعهداتهم بالإصلاح.

على الرغم من الاضطراب الحالي في لبنان، وعلى الرغم من عدم قدرة طبقته السياسية على التحرك، إلا أن البلاد لا تزال في قلب المصالح الإستراتيجية الحيوية للاتحاد الأوروبي. لقد شهدت زيارة منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى بيروت، تقوية موقف الاتحاد من النخبة السياسية اللبنانية بشكل كبير. وأكد بوريل وجهة نظر الاتحاد الأوروبي بأن هذه أزمة وطنية سببها صراع القوى بين السياسيين اللبنانيين، وكرر استنتاج البنك الدولي السابق بأن أزمة لبنان هي نتيجة لسوء الإدارة والفساد.

لم يتنصل الدبلوماسيون الأوروبيون من كلماتهم حول من يعتقدون أنه المسؤول عن أزمة لبنان، ففي اجتماع عقده رئيس الحكومة اللبناني للتحدث إلى المانحين، قالت سفيرة فرنسا، آن غريللو: “إن الوضع الحالي في لبنان هو نتيجة سوء الإدارة من قبل المسؤولين المتعاقبين، الذين ما زالوا يرتكبون أخطاء”. ونشرت سفيرة كندا، شانتال تشاستيناي، صورة لها وهي تقف في طابور في سيارة للتزود بالوقود، وهو مشهد يومي لأي شخص يعيش في لبنان، أو على الأقل لأي شخص باستثناء السياسيين اللبنانيين.

إذاً، لم يساعد الاتحاد الأوروبي على تنمية شركاء للإصلاح داخل القيادة السياسية اللبنانية. والأسوأ من ذلك، أن الجهات المانحة مثل الاتحاد الأوروبي كثيراً ما ساهمت في الفساد. ومن الأمثلة على ذلك وحدة إدارة مخاطر الكوارث، التي تم تمويلها من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكان من المفترض أن تعمل داخل مكتب رئيس الوزراء، ولكنها أثبتت عدم جدواها تماماً عندما حدث انفجار الميناء. مثال آخر هو محطات إعادة التدوير الممولة من الاتحاد الأوروبي، والتي لم يتم تشغيلها مطلقاً، وبالتالي من الواضح أنه لا توجد إرادة سياسية أو مصلحة في الإصلاح بين النخبة.