دراساتصحيفة البعث

أمريكا وأوجه القصور

ترجمة: عناية ناصر

لا تدخر وسائل الإعلام الأمريكية أي جهد لوصف التمدد الاقتصادي الصيني عبر العالم على أنه إستراتيجية للهيمنة. هذه هي طريقة واشنطن في مهاجمة الصين، لكن على واشنطن أن تشرح سبب تراجع نفوذها. لقد استخدمت الولايات المتحدة نفس التكتيك – مهاجمة الصين – لإخفاء تقاعسها عن التعامل مع وباء COVID-19 وهذا لا يساعد الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال على فهم السبب الحقيقي وراء فشلها.

حاول مقال نُشر مؤخراً في مجلة “فورين بوليسي” نصح الولايات المتحدة للتعلم من الصين لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس من خلال إصلاح الميزانية الأمريكية وتخصيص الأموال للمساعدات الخارجية، وكيف تقدم للبلدان النامية ما تريده بالفعل، لأن هذا الواقع هو بالفعل ما تمثله تجارب الصين الخارجية التي أثبتت فعاليتها، ما يؤكد أن الصين لديها إدراك واضح لنفسها وكذلك فهم للمناطق التي تذهب إليها. بعبارة أخرى، تعرف الصين كيف تدير الأمور، بينما يكشف تراجع النفوذ الأمريكي عيوب واشنطن في مجال الإدارة.

يقول المقال: في الدراسات السياسية تحتاج الحوكمة الوطنية الفعالة إلى ثلاثة عوامل: القيم السياسية الصحيحة، والقيادة القوية، وآليات الحوكمة الفعالة، ولكن عندما يستمر ضعف جوهر الديمقراطية وحقوق الإنسان- القيمتين اللتين تنادي بهما الولايات المتحدة كثيراً-  فلا بد أن تكون هناك شكوك، خاصة عندما تفتقر الولايات المتحدة إلى زعيم يمكنه توحيد الحزبين ودفع الإصلاحات إلى الأمام، و تستبدل ذلك بالعقلية التي يهيمن عليها مفهوم المنافسة، وتوسيع الهيمنة، وتنحي جانباً مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، الأمر الذي يترك الكثير من الشعور بأنه لا يوجد شيء يستحق الثناء بشأن قدرة الحكومة الأمريكية.

يركز المقال في جانب آخر  على أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك أن مزاياها الكبيرة في الماضي تتلاشى بسرعة أكبر مما كان متوقعاً. في أثناء ذلك، يستمر نفوذ الصين في الارتفاع، و هذا يجعل الولايات المتحدة أقل ثقة وأكثر قلقاً، وغير قادرة على إبقاء نفوذها في دول ومناطق أخرى، كما في الشرق الأوسط وأفغانستان، لكن الولايات المتحدة لم تعترف بعد بأن هذا يُعزى إلى أوجه القصور لديها.

وعلى النقيض من ذلك، تستخدم الصين حكمتها وقوتها وتصميمها لتظهر للعالم ما هو المسار المسؤول، وخير مثال مشاركتها الشعوب الأفريقية الفقيرة وتصميمها على إنهاض تلك الشعوب بالعمل الجاد الذي يجلب حياة سعيدة، وأن الأعراق المختلفة يمكن أن تتعايش بسلام.

ويؤكد مقال فورين بوليسي أن ما تقدمه الصين هو ما تريده الدول النامية بالفعل، إذ تساعد الصين في بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للتنمية الاقتصادية، و هذا ملموس أكثر بكثير من شعارات الولايات المتحدة المزعومة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فعندما تكون أمريكا نفسها منغمسة في مزالق الديمقراطية وحقوق الإنسان، كيف يمكنها إقناع الدول الأخرى بتبني أساليبها؟ وبينما تستثمر الصين في الخارج وتقوم ببناء مرافق البنية التحتية في البلدان النامية، فإنها لا توفر فرص التنمية لهذه البلدان فحسب، ولكنها أيضاً تخلق مجالاً لنفسها لتصدير وتعزيز الإصلاحات الهيكلية في الداخل ومساعدة الاقتصاد العالمي على النمو، كما تكرس الصين نفسها لفكرتها الخاصة بالحلول المربحة للجميع بدلاً من الأنانية، ويمكن القول: إن الصين تقدم نموذجاً.

يقول الأستاذ بجامعة فودان، شين يي: إنه على عكس جميع القوى الكبرى في التاريخ، فإن اندماج الصين في النظام الدولي كان دائماً مدفوعاً بالحاجة إلى البقاء والتطور والتجديد، وهذا يجعل الصين تتكيف بشكل صحيح مع التغيرات العميقة في النظام الدولي أكثر من أي دولة متقدمة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأضاف: إذا تمكنت الولايات المتحدة من استيعاب موضوع التنمية في العالم، وقبول النوايا الحسنة للصين، وإجراء تعديل بناءً على آلية الحوكمة والطريقة التي تمارس بها نفوذها في العالم، فإن الولايات المتحدة ستستمر في كونها دولة عظمى وتساهم في  تطور العالم.