ثقافةصحيفة البعث

د. هيثم يحيى الخواجة: أدب الأطفال لا يقبل التجارب

كان من الضروري ومن الأهمية بمكان استثمار زيارة د. هيثم يحيى الخواجة إلى بلده سورية، وهو المقيم في دولة الإمارات منذ التسعينيات، للحديث عن أدب الأطفال، وتجربته الرائدة فيه، فبعد مجموعة من الأنشطة التي قام بها في محافظته حمص ومحافظات أخرى، حط رحاله مؤخراً في المركز الثقافي بدمشق “أبو رمانة” من خلال ندوة تحدث فيها عن تجربته في أدب الأطفال، بمشاركة د. جمال أبو سمرة، ود. راتب سكر، وقد بيّن د. الخواجة في تصريحه لـ “البعث” أن مجموعة من الأدباء يكتبون للأطفال بطريقة مبدعة، لكن الغث أكثر بكثير من السمين، والسبب في ذلك أن الذين يتصدون للأطفال ليست لديهم الخبرة الكافية في هذا المجال، وهم يجربون، مع أن أدب الأطفال لا يقبل التجارب، لذلك، رغم خصوصية ما يكتبه الكاتب السوري في أدب الأطفال، إلا أننا برأيه لم نصل إلى القمة، ومازلنا نحتاج للكثير، وفي مقدمتها الرقابة الصارمة عليه، والرقابة التي يعنيها هنا هي الرقابة على النضج الفني، وعلى ضرورة تشجيع ودعم كاتب الأطفال السوري من خلال استراتيجيات وخطط معينة، وتخصيص جوائز تحفيزية له، مع تأكيده أن أهم أدباء الطفل في العالم العربي هم من سورية، لأن الكاتب السوري جاد ويملك موهبة ومكنة في الكتابة الإبداعية التي تترك أثراً طيباً لدى الطفل الذي يراه الخواجة ذوّاقاً وناقداً بحدود إمكانياته المعرفية والثقافية، مؤكداً أن أدب الأطفال مظلوم في الوطن العربي، وتوقف عند الكثير مما يشوب هذا الأدب، حيث الكثير من الكتّاب برأيه لا يمتلكون ناصية اللغة، وهذا ما لمسه بحكم وجوده في العديد من لجان التحكيم في جوائز كثيرة تخصّ الطفل، إضافة إلى أن بعضهم لا يميز بين الفئات العمرية، ولا يلتزمون بالمعجم الخاص بكل فئة من هذه الفئات، وأن بعضهم لم يقرأ علم النفس الطفلي، ولا يتحلى بالقيم التربوية والأخلاقية، وأن قسماً منهم يحاول أن يجسّد صورة طفولته فيما يكتبه وهذا خطأ، لأن الكاتب يجب أن يجسّد الطفولة الحالية بأحلامها وأفكارها، إضافة إلى أن قسماً كبيراً برأيه يحاول أن يُبعد الطفل عن الواقع، موضحاً أنه ليس مع من يعتقد أن الطفل يقبل بكل ما يُقدّم له، فيتساهلون في مخاطبته، ولا يواكبون ما يحدث في عصره، ولا يهتمون بتقديم ما يُدهش الطفل وما يثيره، ويحزنه أن بعضهم يكتب بالعامية، وهذا أمر غير مقبول أيضاً، إضافة إلى أن الكثير من الأدباء برأيه مازالوا يعتبرون أدب الطفل أقل قيمة من أدب الكبار، وهي نظرة غير صحيحة.

طفل اليوم

على الرغم من أن الخواجة ينتمي إلى الجيل المخضرم، إلا أن لديه مقدرة على مواكبة الطفل الحالي، مشيراً إلى أنه لا يجوز لكاتب أدب الأطفال أن يرجع إلى ماضيه، فالحكايات التي كان يسمعها منذ زمن بعيد، والتي كانت تدهش الطفل وتجعله لا ينام الليل وهو يفكر بها كما في قصة “علي بابا والأربعين حرامي”، وكيف تُفتَح الصخرة بـ”افتح يا سمسم”، باتت غير مشوقة للطفل في زمن باتت فيه الأبواب كلها اليوم تُغلق وتفتح اوتوماتيكياً، من هنا أكد الخواجة على أهمية أن يواكب كاتب الأطفال واقع طفل اليوم ويلبي احتياجاته، لا أن يعبّر في كتاباته عن طفل الماضي، موضحاً أن بعض كتاب أدب الطفل هم امّعة لغيرهم يُترجمون ترجمة مشوّهة، وبعضهم يسرق الأفكار من قصصٍ أجنبية ويحاول تقريبها للعربية، ولكن سرعان ما يُكتشَف ذلك، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه كاتب أدب الأطفال مبدعاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مع تأكيده على الحاجة لناقد حقيقي يضيء على ما يكتب من أدب للأطفال، وبحاجة كذلك لتسليط الضوء عليه، وأسف لأن الطفل اليوم عندما يرتاد معرضاً من المعارض بات لا يهمه إلا شكل الكتاب، فإن أعجبه يشتريه دون أن ينظر إلى المضمون أو اسم الكاتب؟!.

وختم الخواجة كلامه مشيراً إلى جملة من المقترحات التي يجب العمل عليها من أجل تطوير أدب الطفل، ومنها التقييم الصحيح لما ينجز على هذا الصعيد وفقاً للنضج الفني، وتجسير العلاقة بين المؤسسات لتوحيد الرؤى، ودعم الجوائز النوعية، والتشديد على دور النشر الخاصة، ودعم أنشطة أدب الأطفال، وإعادة النظر بالأدب الخطابي والمباشر، والاهتمام بالمسرح المدرسي، وإصدار طبعات شعبية في مجال أدب الأطفال، والاهتمام بتنمية القيم التربوية والأخلاقية، وتنمية المهارات الشخصية لدى الطفل من خلال أدبه.

أطفال الشمس

وكان الخواجة قد بدأ كلامه في الندوة متحدثاً عن تجربته في أدب الأطفال وهي تجربة واسعة، متوقفاً ملياً عند حبه للمسرح منذ صغره، حيث شارك كممثل في المسرحيات التي كانت تُقدّم آنذاك، وقد نال الجائزة الأولى في المسرح المدرسي في المرحلة الابتدائية، ومنذ ذلك التاريخ عشق المسرح وانتسب إلى نواد عدة كممثل مثل نادي دوحة الميماس، وشارك في أكثر من عمل مسرحي فيه، مشيراً إلى أنه حينما انتسب إلى الجامعة توقف عن التمثيل والإخراج بشكل نهائي، وتفرّغ للشعر، ونشر قصائده في الصحف اليومية، وفي هذه الفترة كان يحاول تثبيت نفسه كشاعر، ولكن بعد التخرج عاد إلى حبه القديم فأنجز كتاب “تاريخ المسرح في سورية” لعدم وجود كتاب يؤرخ للمسرح السوري، وأنجز كتاب “حركة المسرح في حمص منذ البدايات وحتى عام 1997″، ألحقه بكتاب آخر عن المسرحيات السورية المؤلفة والمُعرّبة، وقد صدر في عام 1994، وبعد ذلك توجّه إلى مسرح الأطفال والكبار وكتب العديد من المسرحيات والقصائد، مشيراً إلى أن آخر ما صدر له هو ديوان شعر للأطفال بعنوان: “أطفال الشمس”، وقد نال عليه جائزة خليفة التربوية في الإمارات العربية، وهي أعلى جائزة في أدب الأطفال في الوطن العربي.

مشكلات الكتابة للأطفال

وتحدث الكاتب والناقد د. جمال أبو سمرة الذي سبق أن استلم إدارة مديرية منشورات الطفل عن كتاب الخواجة “مشكلات الكتابة إلى الأطفال”، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يلج عالم الطفل إلا الشخص المُفعم بالمعرفة، والعارف بعلم نفس الطفل، وأن الاستسهال أوقعنا في الكثير من المطبات، وأن الكتاب سلّط الضوء على واقع هذا الأدب والمشكلات التي يعانيها، وأن كل من يريد أن يكتب للطفل عليه أن يستفيد من هذا الكتاب، حيث أكد الخواجة فيه على أن أدب الأطفال يسير على أجنحة متعددة، ولا يطير إلا بأجنحة الإدهاش، خاصة في يومنا هذا، حيث طفل اليوم ليس جاهلاً، والكثير من كتّابنا متخلّفون عن عوالمه، وأن أدب الأطفال غائب على المستوى الأكاديمي من الجامعات السورية، ووزارة التعليم تهمله، فهي لا تقدّمه لدارس اللغة العربية أو اللغة الانكليزية، ولا توجد أية مادة تُدرّس هذا الأدب في أية مؤسسة أكاديمية، ومازالت هناك نظرة دونية إلى أديب الأطفال، في حين أن بناء الحجر والبشر في وقتنا الحالي يجب أن يبدأ من الطفل، كما أكد أبو سمرة في تصريحه لـ “البعث” على أن الخواجة يبهرنا من كثرة العناوين التي كتبها في هذا المجال على صعيد الشعر والمسرح والقصة في زمن عزّ علينا وجود أديب متخصص في أدب الطفل، مع وجود كثر يستسهلونه، في حين أن هناك أدباء كباراً لم يتجرؤوا على الكتابة للطفل، لذلك سقط جماهيرياً وتداولياً كل من استسهله، ورأى أبو سمرة أن التوجّه للطفل من خلال أدبه ليس ناجماً عن صعوبة هذا الأدب، بل لأن أديب الطفل متروك دون اهتمام أو رعاية، إضافة إلى عدم وجود نقد يُمارَس على هذا الأدب ليوجّه بشكل صحيح، وليصقل قلم كاتبه، إلى جانب التقصير في الاهتمام بالمعاجم اللغوية التي يحتاجها الكاتب إن أراد أن يتوجّه إلى الطفل بمفرداته وألفاظه بجميع فئاته العمرية، وهذا عمل جماعي ومؤسساتي برأيه، ويجب النهوض به مع وجود جهل شعبي بأسماء الكتّاب، وهم مغمورون ومستصغرون في نظر الأدباء والنقّاد والجهات المؤسساتية التي يجب أن تكون عينها على هذا الأدب وكتّابه لأنهم مناضلون حقيقيون في هذا المجال.

مسرح الخواجة

وأشار د. راتب سكر الذي أدار الندوة إلى أن أهم ما يميز كتابات الخواجة للأطفال أنها كانت معاصرة للحياة، ومن كتاباته في هذا المجال “المركبة الفضائية” التي تحدث عنها بلبوسها الفني، وذهب من خلالها بعيداً عن الموضوعات التقليدية، وتحدث سكر أيضاً عن اهتمام الخواجة بالمسرح والكتابة المسرحية الموجّهة للطفل التي غالباً ما يكون فيها عنصر الغناء حاضراً، فالأغنية في كتاباته رديفة للنص وأفكاره، في حين أن شخصياته تعاني من صراعٍ درامي، وهو دوماً يركّز في أعماله المسرحية على التعاضد والتعاون.

أمينة عباس