دراساتصحيفة البعث

تهاوي شعبية أردوغان.. هل يقود إلى إجراء انتخابات مبكرة؟

د. معن منيف سليمان

 

تواصل استطلاعات الرأي في تركيا الكشف عن تهاوي شعبية رئيس النظام الحاكم رجب طيب أردوغان، وحليفه حزب الحركة القومية المعارض، مقابل ارتفاع حظوظ المعارضة بسبب الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد على كافة الصعد، لاسيما الاقتصادية منها الناجمة عن تبني سياسات غير ناجعة للقضاء على الأزمات، كما تأتي تلك التطورات بالتزامن مع تزايد شكوك الأتراك حيال تعامل الحكومة مع عصابات الجريمة المنظّمة بعد الفضائح التي كشفها سادات بكر زعيم المافيا في البلاد مؤخراً بحق مسؤولين حاليين وسابقين، بينهم وزراء داخلية، ما دفع بعض المراقبين إلى توقع إجراء الانتخابات العامة قبل عام 2023 بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة في البلاد.

منذ منتصف شهر تموز عام 2016 وشعبية أردوغان تتراجع بسبب اعتقال الآلاف من عناصر وضباط الشرطة والجيش والقضاة والموظفين والصحفيين، بمن فيهم عدد كبير من النساء، وهو ما جعل من تركيا أشبه بسجن كبير، ولعل الانتخابات البلدية الأخيرة التي فازت بها المعارضة بكل المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وأزمير خير شاهد على تراجع شعبيته، فعندما جرت الانتخابات البلدية في اسطنبول فاز أكرم إمام أوغلو مرشّح المعارضة على مرشّح أردوغان بفارق 13 ألف صوت، وعندما رفض أردوغان هذه النتيجة وتمت إعادة الانتخابات بعدها بثلاثة أشهر عاد أكرم أوغلو ليفوز بفارق 800 ألف صوت.

هذه الشعبية المتهاوية للنظام التركي تعدّ امتداداً طبيعياً لنتائج الانتخابات التي جرت منذ 2016، فرئيس النظام التركي مرّر التعديلات التي حوّلت النظام السياسي من برلماني إلى نظام رئاسي خالص بفارق ضئيل، وتحدثت المعارضة عن تزوير الانتخابات، ووضع أكثر من مليون صوت لترجيح موقف أردوغان، كما أن الانتخابات التشريعية التي جرت في 2018، حصل فيها أردوغان على أقل نسبة منذ وصوله للحكم عام 2002، ويؤكد أحمد داود أوغلو وعبد الله غول وعلي باباجان وغيرهم من مؤسسي “العدالة والتنمية أن البلاد تسير نحو فاشية مظلمة.

وتعاني تركيا من انهيار حقيقي في الاقتصاد، وفق تقرير المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، حيث أشار إلى ظاهرة “الهجرة العكسية” للاستثمارات الأوروبية من تركيا لخارجها، وفقدت الليرة نحو 31 بالمئة من قيمتها عام 2019، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم لمستويات لم تعرفها تركيا من قبل، وتشير كل التوقعات إلى أن “العدالة والتنمية” سيخسر الأغلبية في أول انتخابات رئاسية أو برلمانية سيتم تنظيمها ليس فقط لانصراف القاعدة الانتخابية عن أردوغان، بل لأن حليفه في الحكم “الحزب القومي” برئاسة دولت بهجلي يعاني أيضاً من الانشقاقات والتفكك، وهو ما دفع أردوغان لسباق مع الزمن من أجل ترميم قاعدته الانتخابية، ولكن كل المؤشرات تقول إنه فات الأوان.

وكشفت مراكز تركية للأبحاث واستطلاعات الرأي عن انخفاض عدد الناخبين للتحالف الحاكم إلى نحو 32 بالمئة، ويشكّل صعود نجم رئيس بلدية اسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو، وأيضاً منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة، وكلاهما ينتميان لحزب “الشعب الجمهوري”، خطراً على مستقبل الحزب الحاكم، فقد تقدّم كلاهما على أردوغان في الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “اسطنبول” الاقتصادية للأبحاث واستطلاعات الرأي.

وبحسب الاستطلاع الذي نُشر بعنوان “تقرير تركيا”، سيصوّت 51.4 بالمئة من المشاركين في الانتخابات المزمع عقدها صيف عام 2023 لصالح إمام أوغلو مقابل 39.9 بالمئة لأردوغان في الجولة الرئيسة من تلك الانتخابات، كما أن رئيس بلدية أنقرة الحالي سيحصل على 52.5 بالمئة من أصوات الناخبين مقابل 38.1 بالمئة لأردوغان، وفق الأرقام الواردة في التقرير نفسه الذي يحتوي مقابلات مع 1506 أشخاص في 12 من أصل 81 مقاطعة في تركيا.

تبدو الأرقام التي أوردتها مؤسسة “اسطنبول” قريبة من تلك التي كشف عنها كمال أوزكيراز، مدير مركز “أوراسيا” البحثي الذي عادة ما يجري استطلاعات للرأي قبيل أية انتخابات تشهدها تركيا، حيث يحظى بمصداقية عالية.

إن تركيا بالفعل أمام بداية النهاية لمشروع قام على الخداع السياسي واللعب على المتناقضات، وها هي شعبية أردوغان تتلاشى في مؤشر على أن البلاد تتجه نحو انتخابات عامة مبكرة، كما يرى بعض المراقبين.