دراساتصحيفة البعث

نفط أمريكا للبنان وخطتها الطالبانية

محمد شريف الجيوسي

هل هي بداية إنفراج قسري في لبنان أو حرب شاملة اضطرارية انطلاقا من أفغانستان، حيث تعيش الإمبريالية العالمية، ممثلة بالغرب ومجموعة الـ 7 وحلف الناتو، أزمة بنيوية وأزمة نهج يقوم على شن الحروب وخلق الأزمات والفتن والانقلابات العسكرية والثورات الملونة وسرقة الشعوب ثرواتها ومواردها أو تدميرها وتقسيمها وتحويلها إلى دول فاشلة، فضلاً عن رعاية التطرف والعصابات الإرهابية وخلقها ودعم الأنظمة الأكثر تبعية، مهما مارست من عنصرية وانتهكت من حقوق الإنسان والعمال والمرأة والطفل والحريات العامة؟

لكن الامبريالية التي تعاني من أزمات بينية وأجواء عدم ثقة – فضلاً عن تراجع أوضاعها االعامة، وعجزها عن معالجة أزماتها واستعادة هيبتها وسطوتها ومكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية – تمعن في التخبط والتورط باتخاذ قرارات ووضع سيناريوهات مغامرة غير مضمونة النتائج، سواء لها أم للأطراف والمجاميع التابعة طوعا أو كرهاً. ومن نماذج تلك التخبطات دعم سياسيين على قدر هائل من الفشل، كما في لبنان، وفرض سياسة عقوبات جماعية ضد شعب حضاري مسالم، تحريضا على مقاومته بغرض تقويضها عقابا لها لأنها حررت معظم أراضي لبنان المحتلة، ولم تمكن إسرائيل من الانتصار عليها. ومن نماذج التخبطات أيضاً ما حدث ويحدث في أفغانستان، حيث سُلم البلد لحركة طالبان (المفتاح بالباب) ضمن اتفاق على أن يستقر الحكم لهم، لقاء دور إقليمي كلفوا به، لمعاقبة دول كبرى هذه المرة (روسيا والصين وإيران والمتعاطفين معهم).

ويقارب دور طالبان، دور الجماعات المسماة إسلامية في العقد ونيف المنصرم، في المنطقة العربية، التي عقدت واشنطن اتفاقاً معها باستلام الحكم في الدول العربية من المغرب حتى العراق بإنشاب ما اصطلح عليه “الربيع العربي” مقابل استبدال الصراع ضد إسرائيل بصراع إقليمي، وهو الاتفاق الذي استبق بتدريب آلاف الشباب العرب في بلدان شرق أوروبية، على تكتيكات التظاهر وطرح الشعارات التحريضية والتدرج في تجييش الشوارع، واستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.. إلخ.

وقد اختير هؤلاء الشباب الذين أعدوا بسخاء – في أغلبهم – ممن لا ينتمون إلى تيارات إسلامية، وكانوا هم أول من فجر الشوارع العربية بحيث لا تبدو هوية عقائدية للحراكات المرسوم لها جيداً، في البداية، ولكي تتعاطف معها بيئات حاضنة، ثم ركبت العصابات الإرهابية بفورها الموجة، وهي المحسوبة على الإخوان والوهابية، وأخذت منحاها المطلوب، أمريكيا غربياً صهيونيا ورجعياً عربيا وتركيا، وتحولت من مشاريع إصلاح وهمية إلى ثورات مضادة تكفيرية فتنوية إرهابية إنقسامية عنصرية طائفية ومذهبية، ذهب بنتيجتها الملايين بين شهداء وجرحى ومفقودين ومختطفين ومهجرين، فضلا عن الدمار والشروخ التي خلفها الربيع الأمريكي المصنع.

طالبان مكلفة بدور داعشي مماثل، مع شيء من التنقيح والإضافات المهمة، فمن البداية أدلت ببيان غاية في النعومة واللطف والتهذيب، بديلاً عن الدور السابق لمجاميع الشباب “المتنورين” في المنطقة العربية، لكي يتعاطف ويطمئن الشارع الأفغاني والإقليمي معها، وتم نقل الحكم إليها مباشرة، حيث لا داعي لمرحلة إنضاج، كما تركت واشنطن لها من الأسلحة الثقيلة ما يكفي لشهور على الأقل، فليس لدى الإمبريالية ترف الانتظار لحسم الصراعات في مناطق الربيع العربي” في حال نجحت في أسيا الوسطى.

لكن المقاومة اللبنانية “خربطت” المعادلة الأمريكية في أفغانستان، وفي غيرها، بدخولها على خط حل مشكلة المحروقات في لبنان بعد 3 شهور من العذاب الجماعي للشعب اللبناني، حيث أنذرت المقاومة اللبنانية حينها محاصري لبنان 3 أشهر وإلا فإنها ستتولى حلها بنفسها، وكان الوعد صادقاً.

وخطة المقاومة، لن تنقذ لبنان فحسب، بل ستسقط خطة طالبان الأمريكية في أفغانستان، لأن من أهدافها التالية استكمال حصار المقاومة وإسقاط معادلتها إقليمياً، فمحاولة اعتراض النفط سيعني أن أمريكا وباريس ومن معهما لا يعنيهما شعب لبنان، كما تزعمان، وأن سبب الحصار ليس وجود المقاومة، وإنما حصار أمريكا للمقاومة وشعبها جماعياً.

إن المشروع الأمريكي بتأمين الغاز من مصر عبر الأردن وسورية إلى لبنان، فضلاً عن أنه يحتاج لوقت ومد أنابيب ناقلة، وقرض من البنك الدولي، فإنه يعني أن تُوقف أمريكا العمل بقانون قيصر، وحصار سورية، والتوقف عن سرقة نفط وغاز سورية، ويعني توقف إسرائيل عن قصفها، فالقصف قد يطال خطوط الإمداد.. أي أن معادلة كاملة ستتغير، ويعاد النظر بتفاصيلها المشينة، وفي ذلك انتصار لسورية وحلفها المقاوم وضمنه إيران، كما يعني إعادة النظر ولو جزئياً بخطة طالبان المستجدة في آسيا، وقد يستوجب ذلك التعجيل في تنفيذها، بأمل الإطاحة بإيران التي ستمد المقاومة بالنفط والغاز، ما يعني الاستعجال بحصاد الفشل.

m.sh.jayousi@hotmail.co.uk