دراساتصحيفة البعث

الصين- طالبان ومسار العلاقة

محمد نادر العمري

من شبه المؤكد أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وحالة الفوضى التي باتت تنتشر في معظم أرجاء البلاد، ومع تزايد التكهنات والتحليلات حول أسباب ودوافع هذا الانسحاب وتراوحه ما بين تراكم الخسائر البشرية أو نشر الفوضى المقصودة، نتساءل عن شكل وطبيعة السياسة الخارجية الأفغانية، وكيف ستُبنى خلال المرحلة القادمة، والأسس التي ستشكل دعائم لها؟.

ضمن هذه التساؤلات يطرح جانب العلاقة مع جمهورية الصين الشعبية، والتي شبّهها البروفيسور البريطاني تي أريتشاركيمب بأنها ستكون أحد النسور الأربعة إلى جانب كل من باكستان وروسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوطيد العلاقة مع أفغانستان، ويعود ذلك لعدة أسباب تشكل جوانبها الأمنية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن السياسية، طوقاً لتعزيز الدور الصيني خلال الفترة القادمة في أفغانستان بشكل مباشر وغير مباشر بآن واحد.

أولاً: على المنحى الجغرافي الأمني، تريد الصين بالدرجة الأولى عدم تحول الجغرافية الأفغانية لملاذ آمن للمتطرفين الانفصاليين من الإيغور من جهة إقليم بدخشان الذي يقع شمال شرق أفغانستان وعلى خط تماسٍ جغرافي جبلي يمتد على مسافة 80 كم2 لمنطقة شينغيانغ الصينية، وكذلك لا تريد أن يتمّ تغذية هؤلاء بأي دعم من شأنه أن يرفع من وتيرة العنف في الصين في ظل حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة هناك بعد الانسحاب الأمريكي، وهو ما قد يعني أن أحد أهداف واشنطن من انسحابها هو إحداث الفوضى وانتقالها بشكل طبيعي للصين، وبذلك هي لا تكون مسؤولة مباشرة عن ذلك أمام الصين، ومن جانب آخر تدخل الصين في مشكلات داخلية تؤثر على معدلات نموها الاقتصادية.

ثانياً: يتمثل في الاقتصاد خاصة وأن الصين، في مسعاها لضخ الدماء مجدداً وإحياء طريق الحرير الاقتصادي باتجاه أوروبا قد تجد في الخروج الأمريكي فرصة لتنمية الصين وتعزيز الاستقرار فيها من بوابة التنمية الاقتصادية، وهو ما يقطع الطريق أمام المساعي الأمريكية ومخططاتها الفوضوية، ويساهم في تنويع طرق التجارة الدولية ضمن المشروع وينمي الاستثمارات الصينية في الثروات الأفغانية، والتي تُقدّر بـ4 تريليون دولار، والحفاظ في الوقت نفسه على الاستثمارات القديمة والتي تزيد عن 112 شركة تستثمر في كل المجالات الاقتصادية في أفغانستان منذ عام 2000.

ثالثاً: والمتمثل بالشق السياسي، فإن الصين التي رأت وصرّحت ووصفت الخروج الأمريكي بالمهين من أفغانستان، من مصلحتها أولاً تعزيز علاقاتها مع الدول المجاورة لأسباب تتعلق كما ذكرنا سابقاً بالاقتصاد والأمن القومي الصيني، وكذلك ضمن رؤية منظومة باتت تتشكل في مناوئتها للولايات المتحدة وتضمّ كلاً من روسيا وإيران إلى جانبها، فهذه الدول ستعمل جاهدة لاستقرار الوضع السياسي في أفغانستان لقطع الطريق أمام الأمريكي للعودة إليها تحت أي مسمّى على غرار ما حصل في العراق عام 2010-2011 بذريعة محاربة الإرهاب، ومن جانب آخر يريدون قلب الطاولة على الأمريكي من خلال إنجاح الاستقرار السياسي عبر آليات سياسية واقتصادية ودبلوماسية وليس عبر القوة العسكرية التي فشلت فيها واشنطن في حروبها مؤخراً.

في المقابل فإن طالبان التي أرسلت رسائل إيجابية حتى إعداد هذه المقال، لديها الدوافع نفسها لتحسين العلاقة مع الصين، خاصة وأنها منهكة عسكرياً بعد فترة عقدين من الزمن من الصراع مع الأمريكي، وهي تريد تثبيت شرعية حكمها ووجوده من خلال وسائل غير عسكرية، لذلك تدرك تماماً أن دعم إرهابيي الإيغور سيجلب عداء صينياً ومن خلفه ربما روسيا وضغوطاً إيرانية هي بغنى عنها اليوم، لأن اهتمامها سيكون منصبّاً بالدرجة الأولى على ترتيب البيت الداخلي الأفغاني، وتعلم تماماً أن الصين لديها إمكانات عسكرية قادرة على اكتشاف أي مغامرة طالبانية في دعم الإيغور أو تقديم أي مساعدة لهم، ولاسيما أن لدى الصين قاعدة عسكرية أسّستها عام 2015 شرق طاجيكستان قرب الحدود الصينية- الأفغانية، وهي تقع ضمن تضاريس عالية الارتفاع وغير ممهّدة أو سهلة الاختراق، وعن طريق طاجيكستان تستطيع القوات الصينية هناك سد طرق المرور إلى شينغيانغ.

لذلك من المرجّح أن تعمّق طالبان علاقاتها مع الصين أو على الأقل لا تدخل في الصراع معها، ولاسيما أنها تبحث عن موارد نقدية واستثمارات وقدرات كبيرة لإعادة إعمار أفغانستان وزيادة شرعية الحركة، وتعتبر الصين أفضل الخيارات الطالبانية نتيجة ما تمتلكه من إمكانات بشرية ومادية وتكنولوجية يمكن أن تعزّز من حكم طالبان من بوابة التنمية.