دراساتصحيفة البعث

أردوغان يتلقى صفعة من “طالبان”

محمد نادر العمري

هي طموحات النظام التركي ذاتها في التوسّع بالنفوذ لتكرار الحلم العثماني واستعادته للذاكرة الحالية وفق رؤية الذي ما لبث يستثمر في كل ملفات المنطقة، ويساهم وبدور فعّال في إراقة الدماء وانتهاك السيادات واستغلال الملف الإنساني وتوظيف الإرهاب للقتل تحت مسميات مختلفة، والتستّر بعباءة الدين أو بالدواعي الإنسانية. إن الجرائم المرتكبة في سورية وليبيا ومصر وتونس وصولاً لأرمينيا جميعها شواهد حيّة على هذه السلوكيات الهمجية البربرية التي تعتبر نسخة مطابقة لمثيلتها الصهيونية التي تذرعت بما سمّته مبررات دينية لتحقيق أهدافها!.

ومؤخراً حاول المدعو أردوغان استثمار إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن رغبة انسحاب بلاده وقوات التحالف من أفغانستان للاصطياد بالمياه العكرة، حيث سارع لتلطيف الأجواء الدبلوماسية مع الإدارة الحالية بالرغم من الخلافات الشخصية – ذات العمر القديم بينه أي أردوغان ونظيره بايدن- لتحقيق هذا الهدف، فطلب لقاءً معه في أعقاب اجتماع دول الناتو في بروكسل، ثم تسارعت الخطوات التركية نحو توسيع نفوذه في أفغانستان مستغلاً عاملين اثنين: الأول عامل الدين والإيديولوجية المتقاربة التي اعتقد رئيس النظام التركي أنه من الممكن أن تساعده في التقرب من طالبان، أما العامل الثاني فيتمثل في رغبة تركيا تحسين موقعها في الناتو من بوابة الجغرافية الأفغانية عبر ضمان مصالح دول الأطلسي هناك بعد انسحاب الأخيرة.

إن النظام التركي له قوات عاملة هناك مع الناتو ولو كانت محدودة، حيث سعى حزب العدالة والتنمية بعد استلامه الحكم عام 2002 لتعزيز هذا الوجود. والتفكير التركي بالبقاء هناك وتوسيع نفوذه ليس بجديد بل يعود لعام 2015 حينما صرّح رئيس النظام أردوغان أنه يمكن أن يكون لتركيا وجود عسكري طويل الأمد في هذه الدولة المجاورة للصين وإيران وباكستان وعدد من دول آسيا الوسطى.

ولتحقيق ذلك سعت أنقرة للعب دور الوسيط في عملية السلام بين الحكومة الأفغانية و”طالبان”، ومن ثم تقديم استشاراتها الإدارية للمؤسّسات الحكومية الخدمية بالدرجة الأولى بما في ذلك قطاع الملاحة ومطار كابول، وعملت على الاستثمار في الاقتصاد الأفغاني بما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار، وزادت من عديد قواتها هناك من 500 إلى 2000 جندي، وجهزت نحو 3000 مرتزق من المجموعات الإرهابية في الشمال السوري لإرسالهم الى كابول بعد أن حصلت على الموافقة الأمريكية على ذلك.

ولكن صدمة سقوط العاصمة الأفغانية بشكل سريع بيد طالبان وتسارع أميركا ودول الحلف للخروج من هناك دفعا رئيس النظام التركي للتباهي والمزيد من العنجهية بالقول إنه “سيذهب شخصياً للاجتماع بقادتها” للسماح لتركيا بإدارة المطار وإبقاء جزء من قواتها الممزوج من المرتزقة هناك.

اعتقد النظام التركي بأنه الطرف الوحيد الذي سيبقى هناك لاعتبارات أيديولوجية، لكن هذا الحلم انهار بشكل سريع لينهار معه أحد مشاريع أردوغان التوسعية بعد الصفعة التي تلقاها في تونس بإسقاط حزب النهضة من الحكم، ولعلّ طالبان تدرك تماماً أن البقاء التركي في أفغانستان سيبقي الباب مفتوحاً أمام الناتو للعودة متى شاء، وأن تركيا ستوظف وجودها في أفغانستان لمساومة الغرب لتحقيق مصالحها على حساب المصالح الأفغانية، وزيادة حدة التدخلات الإقليمية التي ستسارع لطلب إرسال جنودها إلى هناك بذرائع مختلفة أسوة بتركيا، فضلاً عن ذلك قيام تركيا ونظامها الحاكم وعلى رأسهم أردوغان باستثمار ملف اللاجئين الأفغان قبل أن ترسل أي جندي وقبل موافقة طالبان.. كيف ستكون الحال من بعده لو وافقت؟!.