مجلة البعث الأسبوعية

جهود أهلية تتفوق على العمل الحكومي.. والشيخ نجار علامة فارقة في حلب.. الفوضى وسوء الإدارة يؤخران تنفيذ المشاريع الاستراتيجية!!

“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري

كان طبيعياً أن يكون التوجه الحكومي عقب تحرير حلب من الإرهاب، قبل حوالى أربع سنوات من الآن، نحو تعزيز صمود المدينة من خلال استعادتها لدورها كعاصمة اقتصادية وداعمة أساسية لعملية الإنتاج والتنمية، فكان التركيز في الخطوات الأولى على توفير مقومات الحياة وإيجاد الحلول الإسعافية للأزمات والمشكلات وتذليل الصعوبات أمام عودة الحياة تدريجياً للمدينة، بالتزامن مع وضع الخطط والبرامج التنموية التي أقرتها الحكومة مجتمعة، بالإضافة إلى مقررات اللجنة الوزارية المشرفة على حلب للتخفيف من آثار وتداعيات الحرب الإرهابية المدمرة.

في الواقع، وبالنظر إلى المردود والنتائج على الأرض طيلة الفترة الماضية، يمكن القول إن الحصاد جاء مخيباً لجهة تنفيذ المشاريع الحيوية والإستراتيجية والتنموية. ويعزو الكثير من الخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي، ومنهم أساتذة جامعيون، أسباب تراجع مؤشري النمو والإنتاج بالدرجة الأولى إلى سوء التخطيط والإدارة، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بضعف الإمكانات ونقص اليد العاملة وزيادة كلف الإنتاج وضعف القيمة الشرائية، والتأخر في تعديل القوانين وإصدار التشريعات المواكبة للمتغيرات والمتبدلات التي فرضتها ظروف الحرب الإرهابية والحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري من قبل دول الشر.

وبعيداً عن التعميم، نجد أن بعض المفاصل والقطاعات – والتي تعد على أصابع اليد الواحدة – نجحت إلى حد ما في تجاوز الكثير من الصعوبات وحققت استقراراً في عملها وإنتاجها، ما يدل على أنه في حال توفرت النوايا الصادقة والإرادة القوية، يمكن تحقيق نتائج مرضية ومقبولة تدفع بعملية الإنتاج والتنمية قدماً.

 

جهود أهلية وفردية

كل المعطيات والأرقام تؤكد أن ما أنجز من مشاريع على مستوى إعادة تأهيل بعض المواقع المتضررة، وتحديداً أسواق المدينة القديمة، جاء بمبادرات أهلية ومن أصحاب المحال التجارية وبدعم من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والمنظمات المتخصصة في هذا المجال، وساهم ذلك في إعادة الحياة لجزء من المدينة القديمة، في الوقت الذي يستمر العمل لإنجاز تأهيل باقي الأسواق والمرافق تباعاً. وما ينسحب على المدينة القديمة ينطبق على مجمل المشاريع في المدينة والريف والتي تحمل بصمات أهلية، باستثناء المحطة الحرارية، إذ بُدءَ العمل بتأهيل المجموعة الأولى والخامسة بمتابعة وإشراف مباشر من قبل الحكومة ووزارة الكهرباء، والمقرر أن توضعا في الخدمة في الشهر الثاني من العام القادم لتوليد ما يزيد عن 200 ميغا واط، أما فيما يتعلق بمشروع إعادة تأهيل صومعة تل بلاط في الريف الشرقي، فقد شهدت عشرات الزيارات التفقدية على مدى السنوات الأربع الماضية، وما زالت الأمور على حالها مع تقدم بطيء وجزئي في مراحل التنفيذ، والحال ذاته في ملف المخطط التنظيمي للمدينة والعشوائيات والمشاريع السياحية المتوقفة والمتعثرة والمتنزهات الشعبية وغيرها من المشاريع التي مضى على إقرارها وتخصيص الاعتمادات المالية لها سنوات طويلة.

وبما يخص الملف الخدمي ومشاريع تحسين مداخل المدينة ووسطها والمحلقات والمرافق العامة، والتي يثار حولها العديد من إشارات اللستفهام حول جودة ومواصفات ومعايير التنفيذ، وخاصة – مدخل حلب الغربي والجنوبي – فسيكون لنا وقفة مطولة معها في عدد قادم.

 

علامة فارقة.. ولكن!

ربما هي العلامة الفارقة في ملف إعادة الإعمار والبناء وتسريع عجلة الإنتاج، فبالرغم من الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة، نجحت جهود إدارة مدينة الشيخ نجار الصناعية بتوفير بيئة ناضجة للاستثمار وبمواصفات ومعايير حديثة ومتطورة لجهة الخدمات والتسهيلات المقدمة. ويرى المختصون بالقطاع الصناعي أن الحاجة أكثر من ماسة لتقديم المزيد من التسهيلات والحوافز لجذب الاستثمارات والأموال المهاجرة، من خلال تبسيط الإجراءات وسن تشريعات جديدة تحمي المنتج الوطني.

ويشير المهندس حازم عجان مدير عام المدينة الصناعية إلى أن العمل جارِ وبوتيرة عالية لاستكمال المشاريع المقررة ضمن خطة العام الفائت، وتنفيذ مشاريع جديدة خلال هذا العام، وذلك حسب الأولوية والأهمية والتوسع في تنفيذ المشاريع الخدمية والإستراتيجية، خاصة بما يتعلق بحوامل الطاقة كونها تشكل عصب العمل في المدينة.

وأضاف عجان أنه يتم حالياً إعادة تصنيف العمل لإعادة إعمار وتأهيل كامل مفاصل المدينة وتحديد أولويات المشاريع لمواكبة وتحقيق التوازن بين تطور الاستثمارات وتأمين المتطلبات الأساسية للصناعة والصناعيين، كمشروع الطاقة البديلة، وقد تم إقرار تنفيذ إنشاء محطة كهروضوئية باستطاعة إجمالية 33 ميغا واط، حيث تم التعاقد مع وزارة الكهرباء ممثلة بالمؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، على استثمار قطعة أرض لإنشاء محطة كهروضوئية في المدينة الصناعية بحلب بتاريخ 01/ 03/ 2019. بالعقد رقم 8 لعام 2019، وتم تسليم موقع العمل بتاريخ 28/ 03/ 2021. ويتم حالياً المباشرة بالمرحلة الأولى للمشروع من خلال تنفيذ أعمال القشط وتسوية التربة الزراعية على كامل المساحة في موقع المحطة.

ويضيف المهندس عجان: تعمل إدارة المدينة بكامل طاقتها لتحسين واقع العمل وتهيئة أفضل المناخات الاستثمارية وبدعم كبير من الفريق الاقتصادي الحكومي، معتبراً أن المؤشرات مبشرة، إذ أن حجم الاستثمار خلال هذا العام حوالي 20 مليار، والتراكمي حوالي 290 مليار، فيما بلغ عدد المنشآت المنتجة حتى الآن 710 معمل ومنشأة، وعدد المقاسم المخصصة 4572، وعدد المقاسم المسلمة 4545، وعدد رخص البناء الممنوحة 3212، وعدد المعامل المباشر بها 1165 معملاً.

 

اختلاف في الرؤى

أمام هذا المشهد المترامي الأطراف، نرى أن زوايا الرؤيا عند البعض مختلفة ومنحرفة بوضوح حول العديد من القضايا والملفات اليومية المتعلقة بالواقع الخدمي والاقتصادي، إلا أنها تتلاقى وتتفق في الكثير من الجوانب والتفاصيل والجزئيات والتي تزيد من وطأة العمل والجهد والذي غالباً ما يكون مشتتاً وفي غير مكانه، لأسباب كثيرة منها ضعف الإمكانات وقلة الكوادر البشرية وعدم توظيفها في المكان والزمان المناسبين، وسوء الإدارة وفوضوية الخطط والبرامج وتعثرها، ويعود ذلك إلى الفشل المزدوج في التخطيط والتنفيذ.

ولعل المشكلة الأكبر في هذه المعضلة، تكمن في – الكلاسيكية والنمطية – التي يتسم بها العمل، وهو ما تؤكده المشاهدات والمعطيات الميدانية والتي تدل دون أدنى شك على واقع مترهل وغير مرض وفي مختلف مفاصل العمل، والذي يتسم بالارتجالية وأحياناً كثيرة بالتعنت والتفرد بالقرار، وهو ما ينعكس سلباً على المردود والإنتاج.

وفي الواقع، وأمام الحاجة الماسة للتغيير والتطوير في المشهد الحياتي اليومي، لا يمكننا القفز فوق المشكلة والتغاضي عن الأخطاء وحالات الفساد المستشرية في جسم العمل المؤسساتي. وبالتالي، ينبغي على المعنيين والممسكين بالقرار التعاطي مع متطلبات واحتياجات العمل بروح عالية من المسؤولية والجدية، والابتعاد ما أمكن عن الحدة والانفعال، وبناء جسور التواصل مع المواطنين والاستماع إلى همومهم واحتياجاتهم والعمل على تلبيتها ضمن الإمكانات المتاحة، والعمل بكل صدق وشفافية على التخفيف من وطأة الظروف المعيشية وإيجاد الحلول للأزمات اليومية المتفاقمة، وتحديداً ما يتعلق منها بفوضى الأسواق ومحاولات استغلال المرسوم 8 ولجم الفساد المستشري في العمل المؤسساتي، ومحاربة الاتجار بالخبز والمحروقات وتهريب المواد المدعومة.

وهنا لا بد من إعادة النظر كلياً في الأسباب التي خلفت وراءها هذه المساحة الواسعة من العمل الفوضوي الخدمي، والاجتهاد فردياً وجماعياً لردم هذه الفجوة وتصحيح مسار العمل وفق رؤية مغايرة ومتجددة ومنسجمة مع متطلبات النهوض الحقيقي، وللتذكير هنا فإن واقع حال الأحياء الشرقية المحررة لا يسر عدواً ولا صديقاً، ويستدعي استنفاراً خدمياً لفرق وورشات وطوارىء مجلس المدينة لإخراجها من مستنقع القذارة وعودة نبض الحياة لها.

 

ختاماً

في ضوء معطيات ومؤشرات العمل التنفيذي، وبالرغم من مضي حوالي 5 سنوات على تطهير حلب من الإرهاب، ما زال مبكراً القول والتأكيد على أن مدينة حلب بدأت تتلمس طريق النهوض والحداثة فما أنجز حتى الآن من مشاريع لا يندرج تحت مسمى التحول الاستراتيجي، وقد يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة لإحداث هذه النقلة النوعية في الجانبين الخططي والتنفيذي، وهو ما يعكس حقيقة ما يعتري جوانب العمل من فساد وقصور وترهل وضعف واضح في إدارة العمل في مجمل المشاريع المقررة والجاري تنفيذها، ونعتقد أن واقع الحال غير المرضي يتطلب تغييراً جذرياً في النهج والإدارة والبدء بإعداد خريطة عمل جديدة تتوافر فيها المصداقية والشفافية وتدار من قبل متخصصين وفرق عمل مدربة ومؤهلة مدعمة بالإمكانيات المطلوبة، لا أن تناط المهام بشخص من يسمى “المعلم” وحسب، وأن يعطى لمجلس المدينة أريحية في عمله بعيداً عن تشابك الصلاحيات بين مجلسي المحافظة والمدينة، وسياسة التعطيل والتفشيل ووضع العصي بالعجلات.

وإذا اعتبرنا ما نفذ حتى الآن على مستوى المحافظة من إزالة للسواتر وفتح الشوارع وترقيعها وإضاءة الساحات والمنصفات والمداخل باللدات، وترحيل جزء من الأنقاض، وإقامة مهرجانات التسوق بين فترة وأخرى تحت شعارات كاذبة ووهمية “من المنتج إلى المستهلك”، وأن يكون ذلك السقف الأعلى لإنجازات المحافظة، فبالتأكيد هناك خلل كبير في شكل وجوهر العمل لا بد من معالجته فوراً، ولسبب وجيه هو أن الآمال المعقودة على مشروع إعادة الإعمار، وعلى هذا النحو غير المنظم وغير المنضبط، لا يعيد لحلب ألقها ووهجها وثقلها التجاري والاقتصادي.