تحقيقاتصحيفة البعث

في ملف سرقة المدارس.. الإدارة تتهم المعنيين بالإهمال والتحيز وإجراءات التربية روتينية!

للمرة العاشرة تتمّ سرقة مدرسة في مدينة جرمانا بريف دمشق، وعلى الرغم من كثرة وتكرار حوادث سرقة المدارس في فصل الصيف لغياب الدوام الفعلي فيها وخلوها من الكوادر، أو في فصل الشتاء لسرقة مادة المازوت منها، إلا أن الملفت هو تكرار سرقة مدرسة فايز سعيد محمود عشر مرات في فترة زمنية قريبة، ما يثير تساؤلات وشكوكاً عديدة ويفتح المجال واسعاً أمام ضرورة تحري الدقة في المسبّبات والغايات من جهة، ومسؤولية الجهات الرقابية والمعنية في كشف ملابسات تلك الحوادث وماهية الإجراءات المتخذة لمنع تكرارها من جهة أخرى، ولاسيما أن كل حادثة سرقة أو تخريب تستنزف ممتلكات ومخصّصات مؤسّسات عامة وتعطيل دورها في بناء الأجيال والمستقبل.

لا شك أن حوادث السرقة واردة الحدوث، ولاسيما في فصل الصيف لخلوها من الطلبة والمدرّسين، ولكن تكرار الحادثة بمدرسة معنية يشي باحتمالين، إما استهداف المدرسة وكادرها التدريسي وتعطيل دورها التربوي، أو تراخي الجهات المسؤولة عن أمنها بغياب سبل الحماية اللازمة، مع الإشارة إلى أن كافة حوادث السرقة نُظم فيها ضبط ضد مجهول، وبكافة الأحوال لابد من تحميل المسؤولية للمدرسة ووزارة التربية ممثلة بمديرية التربية في ريف دمشق لمعالجة الخلل الحاصل.

عمل تخريبي!

في بداية حديثها بيّنت مديرة المدرسة ناديا راضي أن السرقات الأولى كانت بمثابة عمل تخريبي بحت، تمثلت بإتلاف الأوراق والمستندات الموجودة في المدرسة ورميها في باحة المدرسة ورمي أحواض النباتات عليها، وإتلاف صنابير المياه في المغاسل والمشارب وسرقة موتور المياه والعداد، وخلع الأبواب والأقفال وسرقات متنوعة، ورغم أنه في كل حادثة يتمّ إبلاغ الشرطة لتنفيذ ضبط نظامي، يتمّ بالتوازي إبلاغ كلّ من المجمع التربوي وفرعي الحزب والشبيبة وكافة الجهات المعنية، والنتيجة لا حلول أو تحركاً موجهاً لتحصين المدرسة، بل تحفظ الضبوط دون أن تتمخض عن أقل ما يمكن أن يتعمّده المسؤولون تجاه مسألة مكرورة كإجراء أمني أو اعتماد سبل خاصة لمعالجة وضعها. كما بيّنت راضي أنه في معظم الأحيان يتمّ الترميم والتعويض عن طريق المجتمع المحلي الذي ساهم في تعويض جزء من المفقودات وإصلاح التخريب الحاصل، بالتوازي مع تعاون الكادر بتصليح ما أمكن وفق قدراتهم المادية.

أما الحادثة الأخيرة فأكدت راضي أن هدف السرقة تعطيل المدرسة عن دورها في العملية التربوية، كتفريغ طفايات الحريق على الأوراق والسجلات وكسر الأبواب وسرقة موجودات المدرسة بشكل كامل، ما أدى إلى تأخر المدرسة في إنجاز مهامها مع بداية العام الدراسي الجديد. وفي معرض جوابها عن حيازة المفاتيح الخارجية للمدرسة أكدت أنها تبقى مع المستخدمين والأمر ليس من اختصاصها، ولكنها تقوم بتفقد المدرسة قبيل مغادرتها، مبيّنة أن المدرسة لديها مستخدم واحد فقط، في حين أنها بأمسّ الحاجة لأكثر من اثنين للعمل الاعتيادي، ليكون السؤال: هل يكفي مستخدم واحد لحماية هذه المدرسة التي تتعرّض بشكل دائم للسرقة، وهل مديرية التربية عاجزة عن تأمين مستخدم آخر، أليس من الضروري دعم سبل حمايتها بشكل خاص عبر زيادة عدد المستخدمين وتوزيع أوقات دوامهم على فترات زمنية متتالية كإجراء احترازي؟!.

دائرة مفرغة؟

يبدو أن الأمر لم يقلق بال مديرية التربية، حيث تمّ التواصل مع مديرها ماهر فرج ليطلب أسئلة مكتوبة كي يجيب عنها، ولكنه حوّلها إلى معاونه فخري الجلاب الذي أكد بدوره أن وزارة التربية لاعلاقة لها بالموضوع، بل يعني المديرية كردّ على تساؤلنا عن دور وزارة التربية، كمحاولة لإبعاد شبهة التقصير عن الوزارة؟، في حين نعتقد جازمين أن الوزارة معنية بشكل أو بآخر سواء بمتابعة الموضوع بشكل دقيق أو اعتماد إجراء استثنائي يحدّ من السرقة المكررة لأنها تكبدها خسائر دائمة. وبدأ الجلاب بسرد طويل لما يجب على مدير المدرسة القيام به من تقديم معروض وتحويله إلى الدائرة القانونية، ومنها إلى مخفر الشرطة لإرسال دورية لتوثيق الحادثة ومن ثم إرسال نسخة مصدقة مرة أخرى إلى الدائرة القانونية، وضرورة وضع أسماء المشتبه بهم من قبله -إن وجد- أو يكون مصيره الحفظ لحين ظهور أدلة جديدة، ويرسل الضبط لجاهزية اللوازم لتعويض المسروقات. وهنا أكدت راضي أن المديرية في معظم حوادث السرقة لم تحظَ بأي جواب أو تحرك، وبالنسبة لتعويض السرقة يدخل بسلسلة إجراءات طويلة زمنياً، لذلك يتمّ تعويضها من نفقاتهم الخاصة أو من خلال المجتمع المحلي!.

تقاذف التهم

ويبدو أن المدرسة تعاني من إهمال وتغاضٍ عن وضعها الحالي من قبل المديرية، إذ بيّنت راضي أن المديرية تستطيع اتخاذ إجراءات وتحمّل المسؤولية، إذ قامت بمتابعة العديد من ملفات السرقة وتأمين حماية بسلك شائك لإحدى مدارس المتفوقين بسرعة لدى تعرضها لسرقة لمرة واحدة، بينما المدرسة تتعرّض بشكل كثيف للسرقة دون تحرك يذكر، كما ساقت مثالاً كتأكيد على تحيّز المديرية بصدور عدة قرارات نقل من كوادر المدرسة لمصلحة مدارس المتفوقين، الأمر الذي نتج عنه خلل ونقص في كوادرها وأثّر بشكل مباشر على سمعة المدرسة.

الجلاب بدوره تحفّظ على ضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية تجاه المدرسة، كونه لديهم أكثر من 1500 مدرسة في ريف دمشق، ومعظم تلك المدارس لا تمتلك حراساً ليليين، ورمى الكرة في ملعب رئاسة مجلس الوزراء، إذ تمّت مطالبتها مراراً بزيادة عدد المستخدمين لتعيينهم حراساً ليليين ومازال الانتظار سيد الموقف بحسب تأكيده.

ولدى مطالبتنا بتخصيص الحديث عن سرقة المدرسة، حاول تجميع الأسباب، منها الاكتظاظ السكاني لمدينة جرمانا والتلميح مرة والتصريح مراراً بأن السرقات كيدية، وكأن الأمر شخصي بين إدارة المدرسة ومحيطها، مما لا يرتب عليهم مسؤوليات إضافية على الرغم من ارتفاع قيمة المسروقات، وبالتالي التعويض يكون من خزينة الدولة ومخصّصات المدرسة لتطوير أدائها، مع العلم وفق ما جاء في حديثه أن مسروقات واحدة من مدارس الريف تجاوزت 12 مليون ليرة؟!. وفيما يخصّ النقل حاول توضيح الأمر بأن مدارس المتفوقين المحدثة تحتاج إلى كوادر متميزة، ومن مهمة المديرية تأمين هذه الكوادر من كافة المدارس دون إحداث خلل بمدرسة ما، ليبقى الموضوع تهمة دون أدلة!!.

تجريب الاحتمالات

رغم تكرار سؤالنا بضرورة المعالجة والتحرك للحدّ من السرقات بشكل عام وبالمدارس المستهدفة بشكل خاص، إلا أن الجلاب لم يعِ ماهية التحرك متسائلاً ماهو التحرك المطلوب، ثم اقترح مجموعة من المقترحات التي يمكنها الحدّ من السرقة كطلبه من إدارة المدارس التي تتعرض للسرقة بالتواصل مع الفرق الحزبية لاعتماد نظام مناوبات ليلية وجولات دائمة، ومن ثم عاد ليؤكد بنفسه أنه إجراء غير كافٍ، ما يشي بغياب حلول استراتيحية أو ناجعة لتأمين الحماية، ولا تزال الأمور تأخذ طابع تجريب الاحتمالات، مع تأكيده أن السرقات عبء على المديرية وإدارات المدارس، ولابد للحكومة من الاضطلاع بمهامها بحماية مؤسّساتها عبر مسابقات وعقود لتأمين الكوادر، إلى جانب تفعيل جهود وزارة الداخلية لإجراءات الحماية، ولاسيما أن معدل السرقات بارتفاع متزايد خلال الفترة الأخيرة.

فاتن شنان