مجلة البعث الأسبوعية

المعهد العالي للترجمة.. ترسيخ المهارات باستخدام أحدث البرامج والمعايير العالمية

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

أُطلقت فكرة تخصيص يوم عالمي للترجمة، عام 1991، بهدف الاعتراف بجهود المترجمين، وأيضاً بجهود جميع المتخصصين في اللغة لمساهمتهم في التقارب بين الأمم والحوار والتفاهم المتبادل والتعاون في تعزيز السلام والأمن في العالم.

والترجمة، حين تحمل بذور الأمانة والموضوعية والفهم العالي لتفاصيل وروح اللغة الأم، التي تتم الترجمة عنها، تكون بذلك حققت الغاية السامية منها، ألا وهي التواصل الإنساني بين ثقافات شعوب الأرض والتلاقح الثقافي بين الأفكار الإنسانية.

ولأهمية الترجمة وفنها كان لا بد من العمل الجاد والمضني في سبيل الارتقاء بهذا الجنس الأدبي العالي المستوى، وكان لمجلة “البعث الأسبوعية” لقاء مع أحد فرسان الترجمة، د. فؤاد سليمان الخوري، عميد المعهد العالي للترجمة في جامعة دمشق، الذي عرّف المعهد بأنه مؤسسة تعليمية عليا للترجمة التحريرية والسمعبصرية والفورية، تعنى بتهيئة وتخريج الكوادر المؤهلة والمدربة وفق أحدث المناهج والتقنيات العالمية، من أجل سد حاجة سوق العمل المحلية والعربية من التراجمة الأكفاء، وتزويد السوق الدولية بكوادر على درجة عالية من الكفاءة المهنية تتناسب ومكانة اللغة العربية في سورية، حيث يتم اعتماد طرائق تعليمية حديثة تسهم في تطوير تأهيل المترجمين في الترجمة التحريرية والسمعبصرية والفورية، من وإلى اللغة العربية، والنهوض بواقعها على الصعيد المحلي والعربي والدولي، لما في ذلك من أثر إيجابي في عملية التواصل الحضاري.

 

الترجمة السمعبصرية

عن الترجمة السمعبصرية، التخصص الجديد، يقول د. الخوري، العضو المؤسس في المعهد، ورئيس قسم الترجمة الفورية: يهدف القسم الجديد إلى تأهيل مترجمين في الميدان السمعي البصري، والترجمة بمساعدة الحاسوب، يرفدون سوق العمل الذي تطور بسرعة كبيرة في الآونة الأخيرة، وهو تخصص جديد وواعد في سوق الترجمة، والإسم الأوسع لـ “الترجمة على الشاشة” Screen Translation”” بقسميها المرئي “Subtitling” والدبلجة “Dubbing”، وما يخضع لهما مثل ترجمة الأفلام التسجيلية والترجمة المرئية “الفورية”، وترجمة الحوارات أثناء المقابلات المتعددة الأطراف، والترجمة عن بعد، وأخيراً الترجمة للصم وضعيفي السمع، والأخير اصطلح على تسميته “الوصف الصوتي للبرنامج”. وقد أصبح هذا التخصص مطلوباً بشدة مع الثورة التكنولوجية والإعلامية، ومع ازدياد عدد القنوات الفضائية، لذا أصبح من الضروري وجود مراكز مهنية للترجمة السمعبصرية في القنوات الإعلامية العربية، لحماية اللغة العربية من تأثير العولمة في ظل توسع البث العالمي.

 

سوق العمل

وكما يقول د. خوري، يتوجه المترجمون المتخرجون من هذا القسم إلى سوق العمل في مجالين:

– الترجمة بمساعدة الحاسوب، حيث يقوم المترجم باستخدام التقانات الحديثة التي تساعده في عمله عن طريق تكوين ذواكر الترجمة وبنوك المصطلحات التي تنمو مع المترجم أثناء عمله وتسهل عليه الترجمات اللاحقة، خصوصاً في الميادين التقنية والعلمية وفي قطاع الشركات والمؤسسات الدولية. وقد تزايد الطلب في الآونة الأخيرة على مترجمين لديهم مهارات في الترجمة بمساعدة الحاسوب وقادرين على استخدام نظام “TRADOS” أو غيره من الأنظمة المشابهة. كما يضطلع القسم بتأهيل المترجم على “توطين البرمجيات” أي تحويلها إلى لغات محلية فيما يخص واجهات البرنامج والقوائم وأنظمة المساعدة وغيرها، وهو اختصاص قائم بذاته في الجامعات العالمية.

– الترجمة السمعبصرية Audiovisual Translation وتتعلق بالترجمة في ميدان الإنتاج السينمائي والتلفزيوني كالأفلام والوثائقيات والكرتون بكافة أشكالها ترجمة على الشاشة، دوبلاج، نصف دوبلاج.. إلخ، وذلك باستخدام أحدث البرمجيات والأدوات والتقنيات. ويتم تأهيل المترجم على مستويين: نظري يتعلم فيه أسس وقوانين وقواعد وخصوصيات هذا النوع من الترجمة (كحدود الزمان والمكان وتطابق الشفاه وغيره)، وعملي تطبق فيه هذه الأسس والقواعد عن طريق ترجمة الأعمال المتنوعة: الدراما، الكرتون، الوثائقي.

 

السبتلة والدبلجة

من جهتها، تقول الأستاذة كاتبة كاتبة، المحاضرة في المعهد، قسم الترجمة السمعبصرية، مادة السبتلة والدبلجة من اللغة الفرنسية:

لم يكن الفيلم السينمائي في القرن التاسع عشر يقوم على مقومات من صور وصوت، إذ اقتصر على الصور فقط، الأمر الذي أحدث نوعاً من الغموض في الأفلام، خاصة بين تنوع مشاهد الفيلم إذ لم تكن حركات الممثلين كافية لتبرير التغيرات التي تطرأ على مشاهد الفيلم، وبالتالي مهّد هذا الغموض الطريق لمجال السبتلة في السينما، والذي بدوره عرف تطوراً منذ أول استعمال له في السينما على شكل “عنونة بينية” Intertitres، شهدت بدورها تغييراً جذرياً بعدما أصبحت تستهدف المشاهد الأجنبي على اللغة الأصلية للفيلم السينمائي، إذ كانت تتم ترجمتها إلى اللغات الأخرى، وهكذا نشأ مفهوم “السبتلة”، وجاء أول ظهور لمصطلح “السترجة” (Sous-titre باللغة الفرنسية) سنة 1912، في مجلة فرنسية تدعى “لو باريزيان”، ثم ظهر مصطلح “السبتلة” بحلة إنكليزية في أمريكا تجسدت باستعمال مصطلح Subtitler الذي استعمله المنتج السينمائي هنري بيرغر دياموند للدلالة على الشخص الذي أعد السباتل سنة 1919، والذي أضحى استعماله معتمداً بدءاً من سنة 1921.

وهناك أنواع للترجمة السمعبصرية، ولكن أكثرها شيوعاً هما السبتلة والدبلجة. وفي الواقع، يعرّف “قاموس لاروس” مصطلح السبتلة كالتالي: “ترجمة الحوار الأصلي المنطوق في الفلم السينمائي، بحيث تظهر على أسفل الشاشة”. أما في قاموس السينما نجد التعريف الآتي: “يتمثل نص السبتلة في النص الذي يظهر أسفل صورة الفيلم السينمائي، وهدفها ترجمة الحوار الأصلي”.

الهدف من السبتلة هو إيصال المعلومات عبر الجسر اللغوي الذي يربط بدوره بين الثقافات اللغوية وقيمها التي تتجسد على الشاشة باعتبار الترجمة عملية تواصلية. وعلى هذا الأساس، يختلف دور المترجم نوعاً ما إذ يكون هنا بصدد تكييف المحتوى النصي الأصل أو النص المصدر حسب الجمهور المتلقي، حيث يتصرف هنا المترجم في الترجمة ليكيفها حسب المتلقي، ولهذا يسمى المترجم الذي يعمل على السبتلة في الترجمة السمعبصرية بالمترجم المتصرف.

أما الدبلجة فهي كلمة معربة عن الكلمة الفرنسية Doublage، وبالإنكليزية Dubbing، وتعني تغيير لغة الفيلم الأصلية إلى لغة أخرى، بحيث يتوافق الصوت والإلقاء مع الصورة المتحركة، وتعد الدبلجة ترجمة صوتية للعمل الأصلي مهما كان نوعه، فيلما أو مسلسلا أو برنامجا، عن طريق قطع واستبدال حوارات اللغة الأصلية بحوارات اللغة الهدف من خلال أصوات الممثلين التي تحاكي الأصوات الأصلية قدر الإمكان، ويعتمد هذا النوع على تزامن حركة الشفاه مع المحافظة على الموسيقى والمؤثرات الصوتية الأصلية.

وعن المطلوب من المترجم السمعبصري، تابعت الأستاذة كاتبة: المطلوب هو “التطور التقني”، فلا يكفي المترجم السمعبصري مجموع المعارف اللغوية والموسوعية، بل عليه أن يكون مطلعاً على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا بما يخدم مهنته من برامج ترجمة وأدوات معلوماتية ومواكبة كل جديد في هذا الميدان الذي يعتبر الأسرع تطوراً.

وفي الواقع، أيقن طلاب قسم الترجمة السمعبصرية (السنة الثانية، اللغة الفرنسية) ضرورة المُضي قُدماً في درب مسيرتهم الجامعية، لأن سبُل الخلاص والنهضة من واقع مُزرٍ إلى واقع أفضل لا تتمثل سوى بالعلم والمعرفة، لهذا فإن كل ما يشغل ذهن الطالب إكمال مسيره الدؤوب نحو الدراسات العليا من دبلوم وماجستير كي يتسع أمامه الأفق لمستقبل واعد بكثير من الآمال والطموحات.

وانطلاقاً من أهمية الترجمة، لقيَ المعهد إقبالاً كبيراً، لا سيما في السنوات الأخيرة، حيث يُمثل حاضنة لكل من يرغب في تنمية مهارة الترجمة لديه؛ ومن الاختصاصات المرغوبة اختصاص “الترجمة الإلكترونية والسمعبصرية”، وذلك لما فيه من قيمة وأهمية كبيرة في الوقت الراهن.

وتُعتبر “السبتلة” إحدى مزايا العصر، ويعمل المعهد على ترسيخ هذه المهارة لدى المترجم باستخدام أحدث البرامج والمعايير العالمية للجودة. ولعل ثاني العناصر المُهمة مهارة “الدبلجة”، والتي برز صداها في الفترة الأخيرة، لما لها من أهمية في نقل المحتوى الأجنبي إلى الوسط العربي لتعزيز اللغة والانتماء وتنمية المجتمع بأحدث ما توصل إليه الغرب من علم ومعرفة وتقدم.