مجلة البعث الأسبوعية

كرة القدم لم تحقق شيئاً ولاعبوها ينعمون بالملايين على حساب الأبطال.. أية رياضة بعد أولمبياد طوكيو؟  

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

كثر الحديث عن أولمبياد طوكيو ومشاركتنا فيه والنتائج التي حققها لاعبونا، وسُلطت الأضواء على كل المشاركين بدرجات متفاوتة، كل حسب انجازه ونتيجته؛ وكما لاحظنا، فالأضواء العالمية سرقتها الواعدة هند ظاظا كأصغر لاعبة تشارك في الأولمبياد، كما كان إنجاز معن أسعد كبيراً جيداً أفرح كل السوريين وأسعدهم.

وبغض النظر عن بعض الملاحظات السلبية التي أوردها البعض حول أداء لاعبينا بشكل عام، إلا أن الفوائد التي جنتها رياضتنا من هذه المشاركة كانت كبيرة ومهمة وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة.

وبعد سنوات الأزمة وما رافقها من أزمات – لم يكن آخرها أزمة كورونا – من الجيد أن تشارك رياضتنا بمهرجان عالمي هو الأول على صعيد الأبطال والأرقام، ومن الجيد أن ننتهي بميدالية تضع اسم سورية على قائمة الميداليات بعد 17 سنة كنا فيها ضيوف شرف، ومن الفوائد التي نعتز بها أننا عدنا من طوكيو بسمعة كلها عطر ومسك، والآن يجب أن نقول: ماذا بعد أولمبياد طوكيو؟

 

رسالة من ذهب

في البداية علينا أن ننوه إلى الاتصال الذي أجراه السيد الرئيس بشار الأسد بالموهبة هند ظاظا في اليابان، وهذا الاتصال له مدلولات إيجابية كبيرة من الصعب حصرها، لكن يمكننا اعتباره رسالة مهمة إلى كل المعنيين بالرياضة للاهتمام بالمواهب الصغيرة والعناية بقواعد الألعاب وخاماتها، وهذا تأكيد على أن البطولة لن تتحقق إن لم نلتفت إلى قواعدنا ونعتني بصغارنا، وهذا التوجه هو الصحيح، فإذا أردنا المنافسة في المحافل الدولية ودخول خطوط المنافسة من أوسع أبوابها، علينا البحث عن القواعد وإعادة بناء الرياضة السورية من الفئات العمرية الصغيرة بطريقة علمية وتأمين كل مستلزمات التطور والتفوق والنجاح.

 

خارطة رياضية جديدة

في البداية، يجب إعادة النظر بالخارطة الرياضية بشكل عام، والنظر بعين الاهتمام إلى الألعاب التي يمكن لنا أن نتطور بها ونتقدم ونحقق التفوق والنتائج، وإذا تابعنا العقود الماضية من الزمن لوجدنا أن التفوق تحقق في ألعاب القوة بالدرجة الأولى إضافة إلى الألعاب الفردية، وما زلنا نتذكر أبطال المصارعة والملاكمة والكاراتيه والجودو والقوة البدنية ورفع الأثقال وألعاب القوى وهم يحصدون الذهب والبطولات في أغلب البطولات الرسمية التي شاركوا فيها، سواء في البطولات الآسيوية والمتوسط أو في البطولات العربية، لكن هذه الومضات انتهت والبطولات تلاشت والألعاب تراجعت، وذلك لعدة أسباب أهمها ضعف الاهتمام بهذه الألعاب وابتعاد – أو إبعاد – خبراء هذه الألعاب والشح المالي باعتبار هذه الألعاب هاوية وليست محترفة، ومن أراد أن يصبح بطلاً فعليه أن يرعى نفسه ويهتم بغذائه ويؤمن تجهيزاته.

وكرة القدم، على سبيل المثال، لم تحقق لنا إلا بطولة واحدة على مستوى المتوسط، وبطولة غرب آسيا شاركت فيها منتخبات الصف الثاني عربياً.

ما نود قوله: إن كرة القدم تستهلك كل المدخرات الرياضية وكل المال الاستثماري وكل الدعم والاهتمام دون أي فائدة مرجوة. وبالأرقام، فإن الدوري الكروي في الموسم الماضي أنفق أكثر من عشرة مليارات ليرة سورية، وهذا الرقم أقل من الحقيقي لأنه الرقم الرسمي (ونعرف أن أنديتنا – أو أغلبها – لا تضع أرقام العقود الحقيقية لتتجنب الضرائب المفروضة عليها من اتحاد كرة القدم!). وأكثر من ذلك، فإن أغلب أنديتنا أفلستها كرة القدم ومديونياتها المالية كبيرة جداً، فلماذا اللهاث وراء كرة لم نجن منها إلا المتاعب؟ والمفترض أن نتعامل معها بعقلانية إلا إذا كانت هذه الفوضى تصب في مصالح من يستفيد منها!

 

تخصيص مطلوب

ولو خصصنا عُشر هذا المبلغ لبقية الألعاب، كم بطل سيكون لدينا، مثل معن أسعد وهند ظاظا وغادة شعاع وناصر الشامي وغيرهم؟ لن نرى دموع الحسرة من أي لاعب في أي بطولة لأنه لم يتدرب جيداً، ولأنه لم يستعد جيداً، ولأنه غير مرتاح فنياً ونفسياً ومالياً.

لذلك نجد أن المشكلة الرئيسية تكمن في هيمنة كرة القدم وسيطرتها على كل منابع المال في الرياضة السورية، ورغم أن قلوب الناس تستهوي هذه اللعبة فإننا نطالب بجزء بسيط مما تنفقه لندعم بقية الألعاب والرياضات ونطورها، ولا نريد أن نحرم هذه المعشوقة من عشاقها وجمهورها وصخبها، نريد الجزء البسيط فقط.

وهذا يؤدي إلى ضرورة التدخل القيادي لوقف الفوران غير الطبيعي لكرة القدم والتعامل معها بعقلانية، فـ معن أسعد نال 25 مليون ليرة مكافأة بطولة عالمية وميدالية برونزية، بينما نجد أشباه اللاعبين في كرة القدم ينالون مبالغ أكبر من هذا المبلغ، وهم عالة على كرة القدم.

والشيء الطبيعي أن يقوم المكتب التنفيذي بعد أولمبياد طوكيو بوقف المهازل والصرف غير الطبيعي في كرة القدم، فأي لاعب يستحق مبلغ مئة مليون ليرة لا يقدم لناديه المفترض أن يقدمه مقابل هذا المال، وعلى الطرف الآخر نجد أن إذن السفر – مثلاً – لا يكفي لاعبي الملاكمة والمصارعة، وغيرهم، لتغطية نفقات مشاركتهم في بطولة محلية مركزية.

لدينا عدة أندية – ولا نريد أن نسميها – صرفت هذا الموسم حتى الآن أكثر من مليار ليرة على كرة القدم، ناهيك عن المواسم السابقة، ثم نجد اتحاد الريشة الطائرة يبحث عن ثمن ريشة ليشتريها للاعبيه، مع العلم أننا كنا أسياد هذه اللعبة، ولدينا أبطال مرموقون فيها، ورويداً رويداً تلاشت واختفى أبطالها وهاجر كوادرها ولاعبوها لأنها فشلت بتأمين الحدود الدنيا لوجود اللعبة وليس لتفوقها واستعادة بريقها.

للأسف، هذه الأندية التي تصرف المليارات لم تقدم لنا بطلاً واحداً على المستوى الخارجي، لذلك نقول: هذه الأندية تهدر المال العام وتنفق بلا أي طائل ودون أدنى محاسبة، ويجب وضع حد لهذا الإنفاق غير الطبيعي. واقترح أن يصدر قرار يقضي باقتطاع نسبة معينة من دخل الأندية (استثمارات ورعاية وعقود وغيرها) لمصلحة الألعاب الأخرى، وإنشاء صندوق دعم للألعاب الرياضية، وهذا حل عادل يصب في مصلحة الرياضة بشكل عام.

 

تسويق ودعم حكومي

القيادة الرياضية مهمتها البحث عن التسويق الرياضي عبر التعاقد مع الشركات الحكومية والفعاليات الاقتصادية والتجارية لرعاية الأبطال والبطلات، فصناعة البطل تحتاج إلى رعاية خاصة ودعم كبير، وهذا لن يتحقق دون رعاية كبيرة؛ ونحن نعلم أن لدينا الكثير من الشركات الحكومية الرابحة القادرة على رعاية الأبطال، ولو أن كل شركة رعت بطلا أو بطلة لوجدنا نتائج كبيرة على الصعيد الرياضي، وحتماً ستستفيد هذه الشركات على صعيد الترويج؛ والكلام نفسه ينطبق على الشركات التجارية والصناعية الكبيرة.. والمهم في الموضوع طريقة العرض والطلب وسبل الإقناع وسن بعض القوانين التي تساعد على تفعيل الشراكة مع الرياضة من أجل صنع الأبطال وتحقيق البطولة، وكما شاهدنا وسمعنا فإن العروض بدأت تنهال على الموهبة هند ظاظا، تارة من أوروبا وتارة أخرى من الصين، ونحن أولى بتبني هذه البطلة ورعايتها وتأمين كل مستلزماتها لتكون متوجة في الأولمبياد القادم.

 

الأندية الريفية

مصنع البطولة والأبطال هو الأندية الريفية، فالريف مملوء بالخامات والمواهب الواعدة، ولدينا من الأمثلة الكثير.. نذكر من هؤلاء غادة شعاع ابنة محردة، ومعن أسعد ابن سلحب، ومن يعلم الصالة التي يتدرب بها معن في ناديه المتواضع لعلمنا حجم إنجازه، ومثلهما الكثير الذين تخرجوا من رحم هذه الأندية وتوجوا من رحم المعاناة والشدة.

نعود فنقول: إن أنديتنا الكبيرة التي لديها منشآت حضارية كبيرة، كالوحدة والاتحاد والمجد وقاسيون وبردى والنضال والحرية، وغيرها، فماذا استفادت الرياضة من هذه المنشآت؟

على سبيل المثال، كل الأندية هذه، وغيرها، تملك المسابح، ولكن لم نجد أي بطل على أي مستوى تخرّج من هذه الأندية؛ وهذه الأندية استثمرت المسابح في غير ما أنشئت لها، فلو أنها استفادت منها مالياً ورياضياً لقلنا لهم: عملتم حسناً!! لكنهم استثمروها مالياً وأهملوها رياضياً.

كل الأندية هذه لديها صالات شطرنج، لكن أغلبها لا يمارس اللعبة؛ ولديها صالات لألعاب القوة وضعوها بأيدي المستثمرين ولديها صالات بألعاب شتى، لذلك نجد أن هذه الأندية تستثمر منشآت الألعاب الرياضية بما لا يعود على هذه الرياضات بالفائدة، والمفترض أن يكون هناك جزء من استثمار المسابح للسباحة، وكذلك الأمر في بقية الألعاب.

ونحن لا نمانع بالاستثمار لأنه عصب الرياضة ووقودها الرئيسي؛ وعلى العكس تماماً، نشجع عليه وطالبنا سابقاً بتعديل أسعار الاستثمار لأن الأندية لم تعد تستفيد منه بعد غلاء السوق وبقاء الاستثمار على سعره القديم.

وقد نتحمل رؤية أنديتنا وقد تحولت إلى مطاعم ومقاهي وأسواق وصالات أفراح ما دام هذا يصب في دعم الرياضة وتطورها وولادة الأبطال من صالاتها، ولكن لن نتحمل ذلك إن لم يعد على الرياضة بالفائدة المنظورة، فتخرج رياضتنا من ثوبها المفترض أن تلبسه، ومن مهامها المفترض أن تؤديها.

أمام هذه الصور الكثيرة التي فيها الجميل وغير ذلك، لا بد من الالتفات إلى الأندية الريفية ودعمها بالصالات المناسبة والتجهيزات والمستلزمات والمال أيضاً، لأنها مصنع الأبطال ومنبع المواهب والخامات.

 

الاحتراف

منذ أكثر من عام، سمعنا عن قانون احتراف جديد، وهذا القانون الذي لم يصدر حتى الآن يمكن أن ينعش الرياضات المظلومة، فالرياضيون من خارج كرتي القدم والسلة لا يجدون الفتات، ولا يحصلون على قيمة التجهيزات الرياضية ولا على ثمن المواصلات، فاحتراف هذه الألعاب يضعها على طريق التقدم الصحيح، ويجعل الجيل الجديد راغبا في ممارستها وجادا في الاجتهاد والتفوق.

إذا أردنا التطلع إلى منصات التتويج الخارجية بمختلف البطولات العربية والإقليمية والقارية والدولية، علينا البحث عن الرياضة القادرة على تحقيق التفوق؛ والخطوة التالية توسيع قاعدتها وانتقاء مواهبها وخاماتها، ومن بعد ذلك العمل على تطوير هذه المواهب والخامات ودعمها تقنياً ومالياً وفنياً. وإذا كان المدرب التونسي نبيل المعلول كلفنا مئات الآلاف من العملة الصعبة، فإن بمثل هذا المبلغ – الذي صرفنا على مدرب لم نجن منه إلا الخيبة – كنا قادرين على جلب عدة مدربين لألعاب تحتاج الصقل والخبرة، فهل نرى ألعابنا المظلومة قد أبصرت النور ونعمت بمال يطورها ويكفيها ويقضي على متاعبها وأزماتها؟ أم إن الأمل لن يكون أكثر من أحلام في الهواء؟