تحقيقاتصحيفة البعث

التعليم المهني.. “التربية” تعد بقرارات توفر مردوداً مالياً جيداً للطلبة والمدربين

ما زال قطاع التعليم المهني ينظر إليه نظرة دونية أمام التعليم العام نتيجة ثقافة سائدة بين الأهالي، في الوقت الذي أصبح التعليم المهني حاجة ماسة في ظل الظروف الراهنة، خاصة أن سنوات الحرب وما أفرزته على كافة الأصعدة، لاسيما الجانب الاقتصادي، وهجرة الكثير من الخبرات الشابة، فرضت على سوق العمل تحدي البحث عن فنيين من مختلف التخصصات الفنية والتقنية من أجل النهوض بالواقع الاقتصادي، إلا أن هذا التحدي لم يجد الخطوات العملية اللازمة لمعالجته على أرض الواقع .

محاولات خجولة 

ومع تأكيدات وزارة التربية على أهمية التعليم المهني، ومحاولاتها الخجولة في تطوير القطاع وتقديم الدعم له، بقي التعليم المهني يعاني جملة من الصعوبات تعتري القطاع، كغياب التخطيط السليم، وعدم وجود دراسة حقيقية لمتطلبات سوق العمل من قبل هيئة التخطيط وغرف الصناعة والجهات المعنية، خاصة أن وزارة التربية تخاطب بشكل دائم غرف الصناعة ووزارة الإدارة المحلية بكتب رسمية لموافاتها باحتياجات المدن الصناعية والمنشآت الصناعية من خريجي التعليم المهني والتقني في كل الاختصاصات الموجودة، إلا أنه، حسب خبير تربوي، لم تمد تلك الجهات يد العون بالشكل الأمثل الذي يشجع الطلاب على دخول الدراسة المهنية.

تساؤل مشروع 

تساءل الخبير الذي فضّل عدم ذكر اسمه: ما مصير القرارات واللجان المشكّلة منذ سنوات ماضية لإعادة النظر بالتعليمات التنفيذية للمرسوم “الإنتاجي”، لاسيما أن التعليمات الحالية ليست مرنة وتعيق عملية المنافسة في سوق العمل بالنسبة لمنتجات الورش الطلابية، منوّهاً بالمرسوم التشريعي 39 الذي يعد قفزة نوعية ومدخلاً كبيراً في تطوير التعليم المهني كونه سمح للمعاهد التقانية بالإنتاج، إضافة إلى التخفيض الضريبي على أرباح المؤسسات التي تشارك في تدريب الطلاب.

ورش إنتاجية

مدير التعليم المهني في وزارة التربية غسان قباقيبو أكد أن الوزارة عملت على مدار السنوات وما زالت من أجل التوجه نحو إحداث الورش الإنتاجية بهدف تأمين عائد مادي للطالب والمعلم، وتشكيل ورش صيانة لتنفيذ الأعمال من خلال تدريب الطلاب على اقتصاديات العمل بما يحقق الإنتاج بأقل تكلفة على الوزارة وعلى البلد، مشيراً إلى قرارات وتعديلات قريبة تنعكس إيجاباً على التعليم المهني، وتؤمن مردوداً مالياً جيداً للطالب والمدرب، خاصة أن الوزارة أقامت ورشة عمل لمناقشة مشروع (مرسوم/قانون) إحداث التعليم المهني، ومراكز الإنتاج، وتعليماته التنفيذية، وتوضيح أهمية التعليم المهني والتقني كونه يهدف إلى إكساب الطلاب المعارف النظرية والمهارات العملية لتلبية احتياجات سوق العمل، وبناء شخصيتهم الموازنة، وتوسيع معارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم، وزيادة قدرتهم على تحمّل المسؤولية، واتخاذ القرار، واستخدام التقنيات التي تمكنهم من الاندماج في سوق العمل، أو متابعة تحصيلهم العلمي التخصصي.

العمل التشاركي 

ولفت مدير التعليم المهني إلى ضرورة تطوير مهارة المعلمين والطلاب لتلبية سوق العمل، داعياً إلى الاهتمام بالأفكار التطويرية والمبادرات للنهوض بمستقبل التعليم المهني من خلال تطبيق تعليماته التنفيذية، والعمل التشاركي مع قطاع الأعمال، والاهتمام بمراكز الإنتاج المهني وورشه.

ولم يغفل مدير التعليم المهني أهمية رفد قطاع سوق العمل بالأطر البشرية المهنية من خلال التعليم والتدريب المزدوج، والمساهمة في إعادة إعمار البلد، لاسيما أن الوزارة خصصت المبالغ المطلوبة للتعليم المهني في سبيل إعداد جيل من العاملين مزود بمهارات مهنية ومعارف نظرية.

ومن يتابع تفاصيل التعليم المهني في المدارس، والتكلفة الكبيرة التي تستنزفها وزارة التربية من أجل تأمين المستلزمات والآلات والمعدات وكافة التجهيزات، يجد أن النتائج لا تلبي الطموح كونها متواضعة رغم توافر الخبراء والفنيين والكادر التدريسي، ووجود العشرات من الطلاب المبدعين.

تكلفة بالملايين 

وفي عملية حسابية بسيطة تدل على حجم المبالغ الكبيرة المصروفة على هذا القطاع، تقدم لهذا العام لامتحانات الشهادة الثانوية 31761 طالباً وطالبة موزعين على اختصاصات فنون نسوية وتجارة وصناعة، علماً أن تكلفة الطالب الواحد للعام الواحد فقط 50 ألف ليرة من مواد ومستلزمات وتجهيزات ومخابر، أي أن تكلفة دراسة المرحلة الثانوية تعادل ملايين الليرات، ومع هذه المبالغ المصروفة، والظروف الاقتصادية الصعبة، والعقوبات الجائرة، تسعى وزارة التربية لنقل التعليم المهني نقلة نوعية تحقق من خلالها جذب الطلاب إلى هذا القطاع وترغيبهم به، وذلك من خلال تخصيص رواتب مقنعة للطلاب تجعل الطالب يشعر بقيمة ما يصنعه أو يعمله في المدرسة بالورش الفنية .

رغبة وليس قسرياً 

ويؤكد المعنيون في القطاع المهني بوزارة التربية على أهمية أن يأتي الطالب برغبته إلى التعليم المهني، وأن يختار حرفته بناء على رغبته، وليس كما هو الحال اليوم بدخول الطالب بشكل قسري إلى التعليم، واختيار الحرفة بناء على الدرجات.

أحدث التجهيزات 

الجدير ذكره أن المدارس المهنية في سورية تحتوي أفضل وأحدث المعدات والتجهيزات، ولا يستفاد منها كون تعويضات الخطة الإنتاجية مازالت على النظام القديم، أجرة الساعة 50 ليرة، فمثلاً صناعة المقعد تحتاج إلى 10 ساعات، تعويضها 500 ليرة.

وتأتي مطالبات الكثير من المهنيين في القطاع باستقلالية مالية للتعليم المهني حتى يتحول من مستهلك إلى منتج، وتحقيق الاستفادة للطالب والمشرف، وكل من له علاقة بالعملية الإنتاجية من مديرين ومسؤولين حتى تستفيد المدارس المهنية وتحقق الأرباح.

 علي حسون