دراساتصحيفة البعث

“الملف النووي” الإيراني إلى الواجهة من جديد

علي اليوسف

 

عاد الحديث عن جولة جديدة من المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني، وهي الجولة السابعة التي من المتوقع أن تُعقد في أيلول الجاري في فيينا، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية، هذا التمهيد استهلته إيران بدعوة المسؤولين الأمريكيين للمجيء إلى فيينا بجدول أعمال حقيقي، والتخلي عن السياسة الفاشلة التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفي الوقت نفسه، وجّهت رسالة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن العلاقة بين إيران والوكالة علاقة تقنية تحظى بالاحترام، ولكن من غير المسموح أن يتدخل أحد في مسار المفاوضات، لأن أي استغلال سياسي للوكالة سيتلقى رداً مختلفاً من إيران، حسب المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زادة خلال مؤتمر صحفي قبل أيام.

هذا الكلام الإيراني الصريح هو نتيجة طبيعية للضبابية التي تخيّم على المفاوضين الأوروبيين والأمريكيين الذين يعيدون خلط الأوراق في كل مرة تقترب فيها المفاوضات من تحقيق أي تقدم، ولعل ربط الإدارة الأمريكية كل حدث داخلي في إيران بمسار التفاوض أكبر دليل على المماطلة والتهرّب من هذا الملف، وليس آخرها ربط احتجاجات الأهواز الأخيرة بمفاوضات فيينا، الأمر الذي من شأنه أن يضع الملف على المحك!.

الملفت في التصريحات الأمريكية هو التضارب حول الهدف من أجل الالتفاف أو الهروب من الالتزام بالمفاوضات، وهو ما يضع الإدارة الأمريكية موضع السخرية وعدم المسؤولية، ومن الأمثلة على ذلك تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بأن بلاده أبدت مراراً استعدادها العمل للعودة والالتزام المشترك بالاتفاق، وأن الدبلوماسية هي الأداة الأكثر فعالية المتوفرة مع شركاء أمريكا في مجموعة دول (5+1)، لكن المتابع لملف المفاوضات منذ انطلاقته لم يجد أي استعداد من الجانب الأمريكي، كما يدّعي برايس، والأهم من ذلك، ومع استمرار الغموض الأمريكي، بدأت بعض التقارير تشير إلى أن الدول الأعضاء في الاتفاق النووي بدأت التشاور في وضع خطة بديلة قد تنفذ إذا ما انتهت محادثات فيينا دون اتفاق، وتشمل عودة العقوبات الملغاة، أو فرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإيرانية، رغم أن المنجز في المفاوضات السابقة بات واقعاً تعترف به كافة الأطراف.

إلى جانب ذلك، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي بأنه لا علم لها بموعد الانعقاد المحتمل للجولة الجديدة من المفاوضات لإحياء الصفقة النووية مع إيران، وخلال موجز صحفي قالت بساكي: “انتهينا من الجولة السادسة من المفاوضات المتعلقة بالصفقة النووية الإيرانية، لا يوجد لدي جدول لاجتماعهم الجديد، وليس لدي ما أعلنه بخصوص اتصالات أخرى مع إيران”.

وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روبرت مالي: “إن واشنطن لن توافق على إزالة جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران”، وأكد في حديثه مع برنامج إذاعي بأن الولايات المتحدة “ستنسحب من المفاوضات إذا كان الاتفاق الذي تريده إيران لا يتفق مع مصالحنا”، مضيفاً بأن “نافذة التفاوض مع طهران لن تظل مفتوحة إلى الأبد”.

أمام هذه المعطيات، ربما تحمل الجولة السابعة المحتملة المفاجآت، فمن جهة من الممكن استبعاد أن تتوصل مفاوضات فيينا إلى تفاهم لرفع العقوبات الأمريكية عن إيران مادامت مبادئ الطرف المقابل تقوم على عدم الاعتراف بالجمهورية الإيرانية، وبالتالي لن يكون هناك اتفاق بالمطلق، ومن جهة ثانية، من الممكن أن تغيّر الإدارة الأمريكية من سلوكها وتلتزم بالاتفاق وتغلق الملف مادام لن يختلف شيئاً مع تغيير الحكومات، سواء كان ترامب أو بايدن في واشنطن، أم كان روحاني أو رئيسي في طهران، لهذا فإن أي اتفاق ينبغي أن يشمل رفع كافة العقوبات الاقتصادية عن إيران، لأن طهران تفاوضت على كل ما ينبغي التفاوض عليه، وأن المواقف واضحة للطرفين، وحان الوقت للطرف المقابل لاتخاذ القرار.