مجلة البعث الأسبوعية

حيَل الإقناع.. كيف تميز من يقنعك ممن يتلاعب بك؟

هل توقفت يوماً لتسأل نفسك كيف يتم إقناعك لتشتري منتجاً ما؟ أو لماذا تميل إلى أن تستخدم خدمة معينة لا شعورياً وتتخيل أنها نابعة من اختياراتك الحرة؟ لكن في الحقيقة ما هي إلا عملية خفية من طرق الإقناع المتعددة التي تراها يومياً بصفة مستمرة دون أن تشعر.

إن طرق الإقناع المختلفة نشأت منذ آلاف السنين على يد الفيلسوف اليوناني أرسطو، حيث قسم أرسطو طرق الإقناع إلى مثلث ذي ثلاثة أضلاع؛ أولها أن يتم إقناعك اعتماداً على سمعة المتكلم فترى أنك مستعد لتصديق كل ما يقوله بناءً على ثقتك في مدى أمانة المتكلم ومدى علمه وخبرته فيما يقدم، وثانيها أن يلعب المتكلم على الجزء العاطفي بداخلك ويثير تعاطفك وانفعالك كي توافقه على ما يقوله، وأخيراً أن يتم إقناعك عبر الأدلة والبراهين التي تخاطب عقلك كي تقنعك بالفكرة المطروحة.

على رأس طرق الإقناع تم استخدام اللعب على الجانب العاطفي إثارة التعاطف والانفعال على مر العصور لإقناع الفرد بتبني رأي ما أو اتخاذ قرار معين بطريقة خفية لا يشعر بحدوثها داخله، حيث إنها لا تتطلب عملية تفكير معقدة، كأن يقود المرء سيارته في الزحام عائداً إلى منزله بعد يوم طويل من العمل المرهق فيرى تلك اللوحة الإعلانية العملاقة التي لا يمكن تجاهل النظر إليها مرسوماً عليها صورة ضخمة لرجل مرتدياً ملابس أنيقة وممسكاَ بسيجارته فيدخنها باستمتاع واضح على وجهه، مقدماً للمتلقي رسالة خفية بأن معنى الراحة والسعادة التي يتمناها الآن ويتوق إليها متمثلة أمامه في تلك السيجارة.

ما يحدث في تلك الحالة هو الإقناع غير المباشر عن طريق دغدغة العواطف المتعبة للحصول على الراحة المنشودة من خلال ما تم الإعلان عنه، في تلك الحالة هي السجائر، متناسياً كل ما قد يقدمه العقل والأدلة بأن تلك السيجارة قد تتسبب في وفاته مبكراً.

تلك العملية الخفية من الإقناع نفسها تحدث تماماً عندما يرى الجائع صورة لساندويتش مكون من خمس طبقات مكونة من البرغر والجبن الذائب وأنواع مختلفة من الصوصات، فينطلق خياله النابع من جوعه في تخيل المتعة الرائعة والإشباع اللذين سوف يحصل عليهما من خلال شراء هذا الساندويتش متناسياً تماماً ما قالته الدراسات وأكده العقل بأن ذلك البرغر المصنع والصوصات المليئة بالمواد الحافظة هي أول سبب لارتفاع الكوليسترول وضيق الشرايين.

تم استخدام التأثير العاطفي والنفسي على المتلقي أو المستمع أو المشاهد في أحيان أخرى للحصول على منافع مادية ومصالح فردية. وقد أدركت مؤسسات قطاع الأعمال الخيرية مدى قوة التأثير العاطفي الناتج عن عرض صور مؤثرة مصحوبة بموسيقى حزينة فتثير تعاطف المتلقي وتحفزه للتبرع من أجل هؤلاء الفقراء، كما فهمت شركات الحملات الانتخابية العلاقة الطردية بين الوعود البراقة الواعدة بمستقبل أفضل وزيادة عدد الناخبين.

وعليه، ينبغي أن يميز أحدنا محاولات التلاعب به والتأثير عليه بمعلومات مضللة، وأن يتبنى آراء المؤسسات الصادقة التي تقدم طرق إقناع مبنية على المنطق والعاطفة سوياً وليس مجرد تلاعب بالعاطفة، فإن استهداف المتلقي بوعود زائفة ومعلومات مغلوطة قد يؤدي أخيراً لشعوره بأنه مجرد دمية يتم التلاعب بها لمصلحة الآخرين، ومن ثم غضبه ورفضه لأي محاولة لاستمالته عاطفياً.