مجلة البعث الأسبوعية

بعد التقاعد.. كبار ضباط الاحتلال يتعاقدون مع الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

في كل صباح، يغص حاجز قلنديا عند أطراف رام الله في الضفة الغربية المحتلة بحشود الفلسطينيين، حيث يقوم جيش الحرب الإسرائيلي وشرطة الحدود والشرطة الإسرائيلية بجولات المراقبة، لكن مجموعة أخرى من الضباط – الذين لا يمكن تمييزهم تقريباً عن عناصر حكومة الكيان – تقف هناك للحراسة أيضاً.. إنهم موظفو المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الخاصة “موديعين إزراخ”، التي تشكل جزءا من عدد كبير من الشركات الخاصة التي تضطلع بأداء وظائف الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

أمن خاص عند نقاط التفتيش

بدأت عمليات خصخصة الأمن في إسرائيل عبر إسناد المهام والخدمات لمتعاقدين في الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي بدأت عام 2000 واستمرت لغاية عام 2005. وبموجب قرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية، سُلمت الصلاحيات لعناصر “مدنيين” ولرقابة الشرطة في عام 2005، وتم انشاء نقاط العبور بوصفها الجهة المسؤولة عن عمل نقاط التفتيش.

تقول وزارة الحرب الإسرائيلية: “اتخذنا هذا القرار للحفاظ على نسيج الحياة الفلسطينية”، لكن “نسيج الحياة الفلسطينية” يفتقد في الواقع للحد الأدنى من الشروط الأساسية التي يحتاجها المرء للعمل والدراسة والعيش.

هنا، يوضح الدكتور شير هيفر، الباحث الاقتصادي السياسي ومؤلف كتاب “خصخصة الأمن الإسرائيلي”، أن اهتمام إسرائيل الأمني بما يسمى “حماية نسيج حياة الفلسطينيين” ما هو إلا “استراتيجية دبلوماسية” لا تنبع من واجب أخلاقي – كما يدعون – و”كل ما في الأمر، أن العمليات الأمنية الإسرائيلية تسعى لتمزيق هذا النسيج بكل سرية، نظراً لأثر ذلك على صورة إسرائيل”.

ويتابع هيفر قائلاً: “تسبب وجود جنود يبلغون من العمر 18 عاماً على الحواجز، غير مدربين وغير متمرسين في التعامل مع السكان المدنيين، بوقوع مشاكل خطيرة”.

وفي محاولة لتجنب الزلات المحتملة على المسرح العالمي، قامت وزارة الحرب بوضع موظفي الأمن المدربين محل الجيش. “ومع ذلك، يبدو أن موظفي الأمن غير كفؤين في التعامل مع المدنيين كما هو حال جيش الحرب الإسرائيلي.

كانت مرام تحاول عبور حاجز قلنديا مع شقيقها المراهق، إبراهيم طه، عندما قُتل الشقيقان برصاص اثنين من حراس الأمن المدنيين، في 27 نيسان 2016، لكن الشرطة الإسرائيلية ادعت، وقتها، أن المرأة طعنت ضابطاً بسكين، ما أسفر عن إطلاق النار المميت.. تم فتح تحقيق للشرطة حول الحادث، ولكنه أغلق بصورة مفاجئة في شهر آب التالي، دون توجيه لوائح اتهام.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الحادثة ليست سوى واحدة من حوادث الإجرام العديدة التي يرتكبها حراس أمن خاصون ضد الفلسطينيين عند نقاط التفتيش وقرب المستوطنات ومختلف الأماكن العامة.

في السياق، أوضح د. هيفر أن أسلوب الخصخصة كان منظماً على أساس يقضي في الواقع على كل تفاعل أو معاملة، وأضاف: “يتم تنفيذ كل شيء عن بُعد وبشكل آلي، ما يعني – مثلاً – انبعاث صوت قادم من الحائط يأمرك بوضع حقيبتك في الماكينة، ووضع بطاقة هويتك في الفتحة، والتحرك عبر الباب الدوار.. لن ترى أي شخص، ولن تتحدث مع أي شخص!!

 

الشركات العاملة على نقاط التفتيش

بحسب محسوم ووتش، وهي منظمة نسائية إسرائيلية تراقب نقاط التفتيش، توجد 593 نقطة تفتيش في الضفة الغربية – بما في ذلك 23 نقطة تفتيش حدودية، حيث تخضع نقاط التفتيش الحدودية لجهود الخصخصة منذ عام 2006.

يقدم مركز الأبحاث “هو بروفتس” تفاصيل حول جميع نقاط التفتيش على طول جدار الفصل العنصري – الذي تشير إليه حكومة الكيان باسم الجدار العازل، بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948 – التي ستتم خصخصتها.

وفيما يلي الشركات المشاركة في نقاط التفتيش:

 

شليج لافان

وهي شركة إسرائيلية تقدم خدمات المسح والأمن. فازت الشركة، في عام 2019، بمناقصة من الشرطة الإسرائيلية للقيام بالعمليات الأمنية في منطقة جدار الفصل العنصري المحيطة بالقدس. وضعت الشركة مفتشين وحراساً على نقاط التفتيش التالية في غزة والضفة الغربية: ترقوميا، ميطار، مكابيم، حبيقة، إلياهو، حشمونائيم، شعار إفرايم، وكريم شالوم، وتبلغ إيرادات الشركة 600 مليون شيكل، أو ما يقرب من 190 مليون دولار.

 

موديعين ازراخ

وهي واحدة من أكبر شركات الأمن الإسرائيلية، تبلغ عائداتها 700 مليون شيكل، أو ما يقرب من 220 مليون دولار، وضعت حراساً ومفتشين على نقاط التفتيش التالية في الضفة الغربية وغزة والقدس المحتلة: جلبوع، ريحان، إيال، حوتزي شمرون، قلنديا، الشيخ سعد، عناتا. ومن الجدير بالذكر أن الحارسين المسؤولين عن استشهاد أبو إسماعيل وطه يعملان لدى موديعين ازراخ.

 

سيكيور سوليوشنز جي وان

تُستخدم أجهزة فحص الأمتعة والأشخاص، التابعة لشركة الأمن الإسرائيلية، عند حاجز بيت حانون في غزة، وعند نقاط التفتيش في قلنديا وبيت لحم وشعار إفرايم في الضفة الغربية. وكانت الشركة أبرمت عقداً مع الإدارة المدنية الإسرائيلية لصيانة البوابات المعدنية التي صممتها شركة رابيسكان الأمريكية وتم تركيبها في نقاط التفتيش التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية، وقد تم تجديد العقد حتى نيسان 2018، ولم ترد الشركة على التعليقات حول ما إذا كانت لا تزال تحتفظ بهذا العقد، وتبلغ الإيرادات الحالية للشركة 821.4 مليون شيكل، أو ما يقرب من 260 مليون دولار.

 

مالام تيم

وهي شركة تكنولوجيا معلومات إسرائيلية تُقدر إيراداتها بـ 220 مليون دولار، وتستخدم شركة أيلتل – التابعة لشركة مالام تيم – أجهزة المسح في العديد من نقاط التفتيش في الضفة الغربية، وعند نقطة تفتيش بيت حانون في غزة، كما أنها تحتفظ بأجهزة مسح في نقاط التفتيش التالية في الضفة الغربية وقطاع غزة: هوتزة، شمرون، إيال، برطعة، إلياهو، جالم، ميتار، ميتزودوت، يهودا، شعار إفرايم، مكابيم، ترقوميا، وحبيكة.

 

شركة تي أند ام

فازت هذه الشركة الأمنية الإسرائيلية بمناقصة أعلنت عنها شرطة إسرائيل في عام 2019، بشأن تسع نقاط تفتيش في القدس بالقرب من جدار الفصل العنصري. وهذه الحواجز هي: الشيخ سعد، السواحرة، الزعيم، مزموريه، عين يائيل، الأنفاق، عناتا، حاجز 300، والزيتون؛ كما تقدم الشركة خدمات الحراسة لهيئة تنسيق نقاط العبور.

تحتل شركة تي أند ام المرتبة الأعلى في صناعة الأمن والمسح الإسرائيلية، إذ بلغت إيراداتها في عام 2021 ما يزيد عن 1.175 مليار شيكل أو 367 مليون دولار، وخدم الرئيس التنفيذي للشركة، شمعون تلمور، في جيش الحرب الإسرائيلي.

 

الأمن الخاص في المستوطنات

تقدم العديد من الشركات الخاصة التي تشرف على نقاط التفتيش خدمات أمنية للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية. وفي عام 2008، قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي نقل المسؤوليات الأمنية في 40 مستوطنة إلى موظفي الأمن الخاص، وأرجع الجيش قراره إلى عدم الحاجة لوجود الجنود، بعد تركيب معدات وأجهزة عسكرية، مؤكداً أن الموظفين المدربين سيكونون قادرين على توفير أمن أفضل من الجنود.

وجميع الشركات أنفة الذكر، منخرطة في العمل بالمستوطنات، حيث توفر موديعين إزراح الأمن للمستوطنات في القدس الشرقية المحتلة، بما في ذلك العمل في تسع مستوطنات في الضفة الغربية مع جمعية “إلعاد” الاستيطانية.

فقد تم التعاقد مع مجلس الاستيطان “متيه بنيامين” في جبل الخليل، ومجالس المستوطنات الإسرائيلية، وهي مؤسسات تديرها الحكومة، وتكون مكلفة بإدارة شؤون المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك التعاقد مع مقاولين. وتتم إدارة معظم المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية من قبل مجموعة من الممثلين تعرف باسم المجالس الإقليمية، وتوفر الشركة الأمن للشركات في منطقة صناعية تدعى ميشور أدوميم ومواقع البناء في مستوطنة بيتار عيليت.

توفر شركة سيكيور سوليوشنز جي وان الأمن لثماني مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما تدير شركة مالام مشروع خدمات تكنولوجيا المعلومات، وبدورها تقدم شركة تي أند ام خدمات الأمن والحراسة والمرافقة للمستوطنين في القدس المحتلة.

وتعمل الشركات الأمنية التالية في المستوطنات والمناطق الصناعية في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

 

ريشيف سيكيورتي

تعمل شركة الأمن الإسرائيلية هذه في 22 مستوطنة في القدس الشرقية والضفة الغربية والجولان السوري المحتل، وفازت الشركة بمناقصة أصدرتها سلطة الطبيعة والمنتزهات الإسرائيلية، في عام 2019، للحفاظ على الأمن في تسعة مواقع في الجولان، و10 في الضفة الغربية، وهي تعمل مع وزارة التربية والتعليم لتوفير الأمن للمرافق التعليمية في الضفة الغربية. ولدى المركز الوطني للتنبؤ بالزلازل والتحكم بها، التابع لشركة ريشيف سيكيوريتي أجهزة استشعار مثبتة في 10 مستوطنات بالضفة الغربية.

 

 شركة تسفيت فايف

توفر تسفيت فايف خدمات أمنية لـ 13 مستوطنة وللمجالس الاستيطانية والمناطق الصناعية في الضفة الغربية. وفي عام 2019، وثق مركز الأبحاث “هو بروفتس” حراسة موظفي تسفيت فايف لمحطة تنقية مياه الصرف الصحي الواقعة في وادي الأردن في الضفة الغربية.

 

موكيد ماتارا

يشمل عملاء هذه الشركة المعنية بالأمن والمراقبة الإسرائيلية سبع مستوطنات في الضفة الغربية، وكافة المدراء التنفيذيين فيها هم من قدامى المحاربين في جيش الحرب الإسرائيلي. وبحسب ملفه الشخصي على “لينكد إن”، شغل يوسي رفائيلوف، رئيس الشركة، منصب قائد لواء هندسة القتال، وقائد وحدة العمليات الخاصة في جيش الحرب الإسرائيلي، وهو مدير تطوير الأعمال في موكيد ماتارا، كما شغل منصب نائب في واحدة من كتائب الهندسة القتالية، كقائد لوحدة إبطال مفعول المتفجرات، بصفته نائب قائد وحدة العمليات الخاصة، وكضابط عمليات في سلاح الهندسة القتالية؛ في حين شغل أتاي شيلاتش منصب مدير الشركة منذ عام 2014، وهو يفتخر في ملفه الشخصي على “لينكد إن” بأنه يحظى بـ 27 عاماً من الخبرة العملياتية العسكرية، إضافة إلى أنه شغل منصب قائد وحدة هندسة القتال الخاصة في جيش الحرب الإسرائيلي، ورئيس وحدة حماية الشخصيات المهمة فيه، ورئيس مركز الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في جيش الحرب الإسرائيلي، والثاني في قيادة سلاح الهندسة في جيش الحرب الإسرائيلي.

 

شركة الحراسة والأمن نوف يام

تقدم خدمات أمنية لأربع مستوطنات في الضفة الغربية وهي معاليه أدوميم، إفرات، هار جيلو، وإيلعازر. ووفقاً لـ “هو بروفتس”، فإن مديري الشركة ومستشاريها ضباط سابقون رفيعو المستوى في جيش الحرب الإسرائيلي وقوات الأمن.

 

بن سيكيورتي

تعمل شركة الأمن الإسرائيلية هذه في ثماني مستوطنات في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية، وقد احتلت شركة بن سيكيورتي المرتبة العاشرة في مؤشر إسرائيل لشركات الأمن والمسح الرائدة، وتقدر إيرادات الشركة بـ 170 مليون شيكل، أو ما يزيد قليلاً عن 50 مليون دولار.

 

شركة جلشان للتسويق والمواد البشرية والحراسة والأمن

وهي شركة أمنية خاصة تضم قائمة عملائها في المستوطنات المجلس المحلي لبيت إيل، والمجلس المحلي لميفاسيريت تسيون، والمجلس الإقليمي ماتيه يهودا، والمجلس الإقليمي غوش عتصيون، وبيتار إيليت.

 

من قائد عسكري إلى رئيس تنفيذي لشركة أمنية

ليس من قبيل المصادفة أن يكون العديد من كبار مسؤولي الإدارة في هذه الشركات من كبار الضباط العسكريين السابقين في جيش الاحتلال، حيث لفت الدكتور هيفر إلى أن الخطوة المهنية التقليدية لمعظم جنرالات الجيش الإسرائيلي المتقاعدين هي القطاع الخاص: “يسمح سن التقاعد المنخفض في جيش الكيان – والذي يترواح بين 40 و45 – لهؤلاء الضباط بممارسة مهنة ثانية. وتظهر المهنة الثانية الكثير من أسباب ازدهار شركات الأمن تلك، ويعود سبب حصولها على الكثير من العقود أن ذلك هو الخيار الوظيفي لأولئك الجنرالات المتقاعدين”.

مع ظهور التكنولوجيا العالية، تراجعت الرغبة بالجنرالات السابقين كرؤساء تنفيذيين للشركات الأمنية، مع إعطاء الأفضلية لخبراء الهندسة والتكنولوجيا بدلاً منهم. وبحسب هيفر فإن “الخيارات المتاحة أمام هؤلاء الجنرالات المتقاعدين تتضاءل، فإما أن يصبحوا تجار أسلحة أو يقومون بإنشاء شركات أمنية”.

لكن بالنسبة للفلسطينيين.. الأمر سيان، سواء أكان من يتمركز في المستوطنات أو على نقاط التفتيش جندياً، أم حارس أمن خاص!!