مجلة البعث الأسبوعية

مونديال كل عامين.. صيحة جديدة أم تطوير ضروري لمواكبة صناعة كرة القدم؟

“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر

انتهى مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” الخاص بالحديث عن إقامة بطولة كأس العالم كل سنتين، والذي عقد قبل أيام في مدينة الدوحة بحضور ما أطلق عليهم “عظماء كرة القدم من مدربين وحكام ولاعبين”، دون التوصل لقرار نهائي، على أن يتمّ البت بذلك بشكل نهائي في شهر كانون الأول من العام الجاري، رغم أن اجتماع الفيفا التالي سيكون في أيار من العام القادم، ما يضيّق المجال أمام المعارضين للمقترح لإقناع الاتحاد الدولي بسلبية القرار، ووصف القرار بأنه سيأتي استكمالاً للخطوات التي يقوم بها رئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو.

واليوم سنسلط الضوء على أبرز السلبيات والإيجابيات لهذا القرار في حال اعتماده، استناداً إلى الذرائع والتوضيحات التي استند إليه كل طرف سواء من المعارضين كرؤساء اتحادات قارات أوروبا وأمريكا الجنوبية أو الموالين كالمقربين من الفيفا.

بدأ كل شيء في تسعينيات القرن الماضي عندما اقترح الرئيس السابق للاتحاد الدولي والموقوف حالياً بقضايا فساد، السويسري جوزيف بلاتر، ليكررها بعده عام 2018 نائب رئيس الفيفا، رئيس اتحاد أمريكا الجنوبية، الباراغوياني أليخاندرو دومينغيز المقرب من إنفانتينو، وفي آذار الماضي روّج لهذه الفكرة المدرب الفرنسي أرسين فينغر المسؤول عن تطوير الكرة في الفيفا، أما آخر المروجين للفكرة وبشكل رسمي هذه المرة فكان الاتحاد السعودي لكرة القدم الذي قدّم، في أيار الماضي، مقترحاً لإقامة كأس العالم كل سنتين، وهو ما دعمه الاجتماع السنوي لكونغرس الفيفا بواقع 166 عضواً موافقاً ومعارضة 22 عضواً، وسيكون موعد النهائيات كل صيف انطلاقاً من عام 2026.

أما الحجج المقدمة من فينغر والفيفا، والتي من الممكن أن تكون مقنعةً للاعبين أكثر من القائمين على إدارة اللعبة سواء من الاتحادات أو رؤساء الأندية، فعادةً ما يكون متوسط أعمار اللاعبين المشاركين في كأس العالم بين 27 و28 عاماً، ولهذا السبب وفي ظل إقامة كأس العالم كل 4 سنوات تكون الفرص محدودة جداً في حصد اللقب مجدداً، لأنه عندما تأتي النسخة التالية من البطولة يكون متوسط الأعمار بين 32 و33، ومن المعلوم أن أقل من ربع الاتحادات الآسيوية فقط شاركت في حوالي 100 عام من نهائيات كأس العالم.

وطبعاً الموضوع نفسه يمكن سحبه على البطولات القارية كاليورو، وطبعاً حتى ينجح ذلك يجب أن يصار إلى حذف بعض البطولات وبالطبع تقليص عدد مرات التوقف الدولي لخوض مباريات خلال موسم البطولات المحلية، أي تغيير أجندة اللعب السنوية لكل الدوريات في العالم، وهو ما عبر عنه في تصريحات فينغر الأخيرة “استبعدوا باقي المسابقات، يجب تنظيم البطولات ذات القيمة واستبعاد كل المسابقات الموازية خارج اللعبة، يجب أن يدرك الناس الأشياء المهمة وخوض مباريات ذات معنى فقط”.

ومن الحلول المقدمة حتى توافق الاتحادات والأندية على القرار، التي تخاف من زيادة احتمالات تعرض لاعبيها للإصابات، أن تقام مباريات التصفيات في شهر واحد (تشرين الأول) أو شهرين (تشرين الأول وآذار) بدلاً من إقامتها في عدة أشهر، أي أنهم سيخوضون عدداً أقل من الرحلات الطويلة وسيستفيدون من 25 يوماً على الأقل من الراحة بعد منافساتهم الصيفية مع منتخبات ببلادهم، وكذلك الجمع بين التصفيات المؤهلة للبطولة القارية والعالمية كما حدث في التصفيات المؤهلة لكأسي العالم في نسختي 2006 و2010 وكأس الأمم. الأوروبية، وكما يحصل في التصفيات الآسيوية المشتركة لكأس آسيا ومونديال قطر.

ومن الحجج التي لاقت صدىً إيجابياً في قارتي آسيا وأفريقيا أن هناك 211 دولة الآن من الأعضاء بالفيفا، ومنها 133 دولة لم يسبق لها المشاركة في كأس العالم، وهذه الدول تنظر على كأس العالم كل أربع سنوات دون أن تكون لديها فرصة للمشاركة فيها.

وأهم نقطةٍ في هذا الاقتراح والتي يتجنب كثيرون الحديث عنها نظراً للاختلاف الكبير حولها، هي الجانب المالي حيث تعتبر تصفيات كأس العالم ومباريات البطولات الكبرى منبعاً للمال (يرجع ذلك جزئياً إلى حقوق البث التلفزيوني) وخصوصاً للاتحادات المتواضعة كالاتحاد الأفريقي، على عكس الاتحاد الأوروبي صاحب الموارد العالية من وراء الدوريات المحلية والقارية في أوروبا نتيجة ازدهار صناعة كرة القدم هناك والشعبية الكبيرة للأندية ونجومها، وتقريب موعد البطولة من شأنه زيادة العائدات المالية.

أما الجانب المعارض للاقتراح فلديه هو الآخر العديد من الذرائع، فحتى لو نجح الفيفا في مسعاه فلا شيء يقول إن الأندية الأوروبية، مسرح أفضل وأقوى اللاعبين الدوليين، ستوافق على الاستغناء عن خدمات لاعبيها لعدة أشهر، وخير مثال لذلك الرفض الأخير لبعض الأندية الإنكليزية السماح للاعبيها الدوليين بالسفر إلى دول تعتبر معرضة لخطر الإصابة بـفيروس كورونا، حيث كان أليكساندر تشيفيرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) قد هدّد بمقاطعة الاتحادات الأوروبية التي توجت بآخر أربعة ألقاب عالمية منذ عام 2006، وقال إن “أمريكا الجنوبية على نفس الخط، وبالتالي حظ موفق لكأس العالم من هذا النوع”، فيما صرح منتدى الدوريات العالمية، الذي يتخذ من زيورخ مقراً له، ويضم أكثر بطولات كرة القدم تأثيراً في القارات الخمس الكبرى، إن “قيادة الفيفا لا يمكنها تحويل شيء استثنائي إلى حدث مألوف لمجرد خدمة مصالحها قصيرة المدى”.

لكن يبقى القرار النهائي وبغضّ النظر عن ردود الأفعال والتهديدات، بيد الفيفا الذي يحمل مفتاح القرار النهائي، وسيعود إما إلى مجلسه التنفيذي أو إلى الكونغرس العالمي، اعتماداً على التغييرات المعتمدة في نظامه الأساسي، وحقيقةً ورغم كل الأصوات المعارضة فالمدقق بآراء الخارجين من المؤتمر الأخير على خجلها، نجد أن الأقلية هم المعارضون في الوقت الحالي على الأقل، وكان تصريح الظاهرة البرازيلية رونالدو نزاريو دا ليما عقب مؤتمر الخميس الماضي قد أحدث جلبةً على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً بين أوساط محبي نجمي كرة العالم في العقدين الأخيرين البرتغالي رونالدو والأرجنتيني ميسي، “لو سألتم ميسي ورونالدو حول رأيهما لأرادا بالتأكيد أن تقام كأس العالم كل سنتين”.