ثقافةصحيفة البعث

الأعياد الاحتفالية في سورية القديمة.. حضارة عريقة وتراث مهمل

تتنوّع الأعياد الاحتفالية في سورية التي اشتهرت فيها منذ القدم، وقد ارتبط بعضها بالأحوال الطبيعية والمواسم الزراعية وبعضها الآخر ارتبط بالفلك وأحوال النجوم، لكن بالنتيجة كانت تعتبر من الطقوس الاجتماعية الجميلة المعبّرة عن علاقات الألفة والمحبة السائدة بين الناس، هذا الموضوع تناوله الباحث والمهتمّ بالتراث المهندس نهاد سمعان في محاضرته التي ألقاها في المركز الثقافي العربي بحمص وحملت عنوان “الأعياد الاحتفالية في سورية القديمة” بدعوة من جمعية عاديات حمص.

توقف سمعان في مستهل محاضرته عند التخريب الذي طال التراث في حمص، والإهمال وعدم تقدير أهميته ودلائله، وذكر مثالاً على ذلك جب البخت الموجود في قلعة حمص والذي يرتبط بقناة مائية قادمة من بلدة جوسية الخراب على ضفاف العاصي، هذا الإنجاز الهندسي المتقن في الإبداع، والمهمل والمليء بالقمامة حالياً يعتبر من أهم الدلائل على عظمة الإنسان السوري، الذي نفذه قبل ولادة الإسكندر المكدوني، وقبل وجود روما في الشرق.

وفي حديثه المقتضب عن الأعياد رأى فيها مناسبات جامعة يهتمّ فيها الحاكم وينظمها ويفتح خزائن الدولة لها لتوحيد المجتمع ونشر الفرح بين عموم الشعب، فقد كانت الاحتفالات موضع تنافس وتفاخر بين الحكام، لأنها تعبّر عن حسن الإدارة، ومحبة الشعب، فالملك أنطيوخس “١٦٥ق. ب” كان حريصاً على مشاركة كافة أفراد المجتمع باحتفالات الأعياد، وتقديم كل ما يلزم لإنجاحها وإخراجها بأفضل صورة.

ويربط سمعان عيد الميلاد ورأس السنة وعيد القيامة بأعياد سورية قديمة، وهي مرتبطة بالقمر والاعتدال الربيعي وعيد النوروز المقصود به “اليوم الجديد” وله أشكال وخلفيات دينية عدة، وأعياد الربيع في سورية متشابه، لكنها تختلف في التسمية بين مدينة وأخرى.

يفرد سمعان مساحة واسعة للحديث عن احتفالات الربيع في دفنه بانطاكيا، عاصمة سورية في تلك الفترة، كنموذج عن الاحتفالات في سورية القديمة، هذه الاحتفالات كان يقصدها القاصدون من كل أرجاء سورية والمتوسط، ودفنه اسم الحورية التي عشقها ابولون وأقام لها معبداً كبيراً في انطاكيا، وإشارة إلى أهمية احتفالات دفنة أوصى أحد شيوخ انطاكية بكل ثروته لإقامة احتفال لمدة شهر كامل واشتمل على سرد الروايات والعروض التمثيلية والمسرحيات وسباق العربات والألعاب الرياضية، وتمّ تمديد الاحتفالات لمدة 46 يوماً.

وفي عام ١٦٦ق. م، قرّر الملك السوري أنطيوخوس الرابع إقامة احتفال عظيم في دفنه كردّ فعل على الاحتفال الكبير الذي أقامته روما سنة ١٦٧ق.ب في مدينة مفيوليس اليونانية بمناسبة انتصارهم على مقدونيا.

وتطرق المهندس سمعان إلى المستوى العمراني في أنطاكيا التي كان يقدّر عدد سكانها بـ600 ألف نسمة، وتناول حال البذخ والترف التي كان يعيشها السوريون الذين كانوا آمنين من أي ضيق يتعلق بضرورات الحياة بسبب الوفر بكل شيء، وكان عدد سكان سورية في عهد الملك أنطيوخوس السابع ١٣٧-١٣٨، ستة ملايين نسمة. وختم حديثة بعرض لوحة مريمين المكتشفة في بلدة مريمين شمال غرب مدينة حمص ومطبوعة على العملة الورقية من فئة الخمسمائة ليرة القديمة والتي تمثل الاحتفالات في سورية ويظهر فيها طفلان يدوسان على آلة نفخ تنقل الهواء إلى آلة موسيقية تشبه الأورغ.

محاضرة ممتعة وشائقة رغم اختصارها باحتفالات دفنه بانطاكيا، فموضوع الأعياد في سورية القديمة شائق ومهمّ ويؤكد على حضارة الشعب السوري وعراقته، كما يؤكد عقوق السوريين الحاليين ببلدهم الأم سورية، فلم يحافظوا عليها، ولم يقدّروا خيرها الوفير.

آصف إبراهيم