الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

سوبرماركتات ثقافية

غالية خوجة

ربما يتبادر إلى ذهن ومخيلة قارئ عنوان مقالتي أن هناك تطوراً في البنية المجتمعية، وأن يكون في كل شارع “سوبرماركت ثقافي”، لمزيد من التوعية والتأهيل والتنوير، وذلك ضمن الاستثمار الثقافي الضروري، وإن كنتُ مثلك أيها القارئ الكريم، أتمنى أن تكون هناك مبادرة “سوبرماركت ثقافي” في كافة أرجاء سوريتنا الحبيبة، وهذا المقترح نوجهه معاً إلى الجهات المختصة، ليكون هذا السوبرماركت ثقافياً بكل معنى الكلمة المضيئة الجادة، بديلاً عن بعض الجهات المتمظهرة بالثقافة البعيدة عن العمق الثقافي.

أمّا بعيداً عن هذه المبادرة، فأتساءل: ماذا لو تحولت بعض الجهات الثقافية إلى “سوبرماركت ثقافي ولا ثقافي”؟ كيف؟

لك أن تتخيل وتستنتج ذلك، عزيزي القارئ، من خلال المشهد الثقافي وما يقدمه من تراكمية لأسماء مكررة، بنصوص مكررة، أقرب إلى اشتباك المصالح الخاصة، بعيدة تماماً عن التشبيك الثقافي كمنهجية وطنية، وهذا ما تتحفنا به بعض الجهات التي من المفترض أن تكون ثقافية، حاملة لمسؤولية كبيرة في مرحلة إعادة البناء والإعمار، خصوصاً في الإنسان قبل المكان.

مقتل هذه الجهات أنها تعمل بطريقة التنفيع والترقيع لا التثقيف والترفيع، وأهم قاعدة “حكّ لي لأحكّ لك”، و”لي فيها مآرب أخرى”، و”الغاية تبرر الوسيلة”، وما إلى هناك من قواعد لا أدبية ولا أخلاقية مزدحمة لدرجة التراخي والانبعاثات الكربونية.

ومن زاوية أخرى للمعنى، عندما تحضر شخصية رسمية رفيعة المستوى في هذا المجال، تجد أن من يريد أن يقتسم كعكة الحضور والظهور والزيف والتدليس والغايات الخاصة يجتمع مع أمثاله وراء الكواليس، بينما كبيرهم الذي يعلمهم السحر، يختار الأسماء التي ستقابل هذه الشخصية الرسمية اختياراً دقيقاً يلبي إرادته وأهدافه ومصالحه التي ينسجها معهم تحت الطاولة، لدرجة تظن معها يقيناً أن هذه الشخصية الرسمية ستزور المكان بسرية تامة، ولن يعلم بها إلاّ هؤلاء، والجهات الإعلامية التي يريدونها، ويدعونها قبل فترة أو عاجلاً وبكل تأكيد والحمد لله أنني لستُ منهم.

وحدث أن كان لدينا ملتقى شعرياً في هذا السوبرماركت ذاته، وكنت في آخر يوم من أيامه قد سألت كبيرهم: ستزور شخصية رسمية حلب، فهل تسمح أن تخبرني: هل اسمي موجود بين الحاضرين ككاتبة وإعلامية؟ فأخبرني بعدما استغرب بعلمي بهذا الخبر، وبطريقته: للأسف لا، فأنت أميرة الثقافة وسيدتها، لكننا لم نختر الأسماء، بل الجهة نفسها هي من اختارت، فأضفت سؤالاً آخر: هل اللقاء والاجتماع سري أم علني؟ فضحك بصفراوية: علني. إذن، كيف لا أحضر وأنا كاتبة وإعلامية ومن حقي الحضور؟!

هذا ما حدث معي ذات حدث ثقافي رغم أني أمثّل بفخر واعتزاز جريدة “البعث”، وهذا ما رأيته وسمعته من ذاك المسؤول وهو يدفع أحد المصورين الذي من المفترض أن يكون متقاعداً، إلى القول بصوت عالٍ: لن يقف أمام الباب إلاّ أربعة فقط من الإعلاميين النظاميين لاستقبال وتصوير الشخصية الرسمية الزائرة! ثم بعد هذا الغمز واللمز انتشرت ابتسامات وضحكات خبيثة!

وهناك “سوبرماركت ثقافي” آخر، يظن مسؤوله أنه بإمكانه أن يقرر كل شيء حتى بالنيابة عن الأشخاص الذين يزجّ أسماءهم في الأنشطة دون علمهم! ثم يجيبهم: لقد أخبرتكم بذلك، لكنكم نسيتم.

أمّا السوبرماركتات الثقافية الأخرى فترى المسؤولين عنها يصولون ويجولون هنا وهناك ويعرفون بكل شيء، إنهم يعرفون أكثر من أرسطو في الفلسفة، وأكثر من المتنبي في الشعر، وأكثر من الجرجاني وأبو الأسود الدؤلي وسيبويه وابن النفيس والخوارزمي، بينما نحن مساكين لا نعرف إلاّ أن نقول: يا لهول الفاجعة.