دراساتصحيفة البعث

العقوبات والحروب لن تجعل العالم آمناً

إعداد: هناء شروف

احتضنت الولايات المتحدة من خلال قصف المدارس والأبرياء بالطائرات بدون طيار، أجيالاً جديدة من المقاتلين الملتزمين بمقاومة ما يُنظر إليه الآن على أنه احتلال أجنبي أو حتى حرب صليبية أيديولوجية.

لقد قصفت طائرة أمريكية بدون طيار كانت تحلق في المجال الجوي الباكستاني عبر الحدود الأفغانية مدرسة وكانت مهمتها هي قتل أعضاء طالبان المشتبه بهم، لكن لقي ثمانون طفلاً مصرعهم في الهجوم الذي لم يستهدف أحداً من أعضاء طالبان.

كثير من الأطفال الذين يدرسون في هذه المدرسة هم مجرد أطفال، آباؤهم غالباً ما يكونون فقراء، مشغولون بمحاولة كسب لقمة العيش. ومن خلال إرسالهم إلى المدارس يأملون أن يتناسب أطفالهم مع الهيكل الاجتماعي، وهو ما لا تستطيع الأسرة مساعدتهم على القيام به، إنهم محرومون من حقوقهم الاقتصادية لكنهم يدركون تماماً أن الإعلام الغربي يقلّل من تراثهم ومعتقداتهم.

إن وجود الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمن في أفغانستان في محاولة لإعادة هندسة المجتمع وفقاً لقيمه الخاصة لم يؤدِ إلا إلى ترسيخ المقاومة الشعبية، وهذا يساعد في تفسير سبب وصول طالبان إلى السلطة بهذه السرعة بعد انسحاب قوات التحالف.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ورثت طالبان ما قيمته 20 مليار دولار من الأسلحة العسكرية المتطورة والخطيرة للغاية، وسلاحاً جوياً كاملاً، و11 قاعدة عسكرية بما في ذلك 211 منصة جوية. أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد انتقلت من كونها أكبر دولة دائنة في العالم قبل شنّ الحرب إلى أن تصبح أكبر مدين.

هل حقّقت الولايات المتحدة هدفها المتمثل في القضاء على الإرهاب وإعادة تشكيل العالم على الصورة التي رسمتها مراكز الأبحاث والاستشاريون بواشنطن على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم؟.

إذا نظر المرء إلى البلدان التي شنّت فيها الولايات المتحدة “حربها العالمية على الإرهاب” -أفغانستان والعراق واليمن والصومال وليبيا- يمكن للمرء أن يرى تدهور الأوضاع في تلك البلدان وتأخر التنمية الاقتصادية والفقر.

هل العقوبات والحروب التي تقضي على مجتمعات ودول تجعل العالم آمناً ضد الإرهاب أم تزيد من احتضان الإرهاب بنشر الكراهية؟. وهل يجب أن نتساءل عن استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في مثل هذه المغامرات؟!.

سيكون مجرد جزء بسيط من الأموال الضخمة كافياً لنقل التدريب على المهارات المهنية للشباب وتطوير البنية التحتية في بلد مثل أفغانستان، مما سيساعد في التخفيف من حدّة الفقر ويمنح الناس الأمل في المستقبل. هناك أيضاً حاجة لرفع العقوبات وزيادة التجارة واحترام تنوع الآخرين ودينهم وتراثهم وثقافتهم وقيمهم وأسلوب حياتهم.

ربما يتفق معظم الأمريكيين مع كلّ هذا، وخاصة المحاربين القدامى في الحروب الكارثية التي شنّتها الولايات المتحدة، لأن الفقراء هم الذين ينتهي بهم المطاف بالقتال من أجل الأثرياء والنخبة السياسية الذين يشنّون هذه الحروب. إن منع التطرف من خلال التنمية الاقتصادية وتمكين المجتمع وخلق الفرص يمنح الناس الأمل في عيش حياة أفضل، لكن النخبة السياسية في أمريكا لا تموّل بشكل كافٍ المدارس المهنية والرعاية الصحية وتحسينات البنية التحتية في الداخل، وربما هذا هو المكان الذي يجب أن يبدأ فيه كل شيء.