مجلة البعث الأسبوعية

خروج ميركل يعيد تشكيل المشهد السياسي الداخلي.. وألمانيا الجديدة بحاجة لإعادة ضبط علاقاتها الحالية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين

“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر

يكاد يكون من الصعب التصديق بأن ألمانيا حاليا في منتصف انتخابات وطنية. وعلى الرغم من أن موسم الحملة الانتخابية في “مرحلته الساخنة”، إلا أن التذكير بالانتخابات لا يلفت النظر، ويقتصر على ملصقات ولوحات إعلانية غير مزعجة للمرشحين. وحتى في الأوقات العادية، توجد في ألمانيا قوانين صارمة بشأن كيف ومتى يمكن لأي حزب أن يقوم بحملته الانتخابية، لكن فيروس كورونا قلل من حجم الحملات الانتخابية بشكل واضح، ما أدى إلى نقل الكثير من الحملات الانتخابية إلى الإنترنت، لدرجة أن الهدوء دفع إحدى الصحف الألمانية (دي فيلت) لإصدار عنوان رئيسي يسأل: “هل هذه أكثر الانتخابات الفيدرالية مللا على الإطلاق؟”.

ولكن بمجرد تخطي التفاصيل الدقيقة المعتادة للسياسة الألمانية المعاصرة، فإن التحولات الزلزالية الجارية واضحة، ففي 26 أيلول، سيختار الناخبون ممثليهم في البوندستاغ، وسيحل التحالف الفائز محل أنجيلا ميركل، منهيا فترة حكم المستشارة الذي استمر 16 عاما. لقد هيمنت ميركل على السياسة الألمانية حقبة طويلة لدرجة أن أصدقاءها وخصومها، على حد سواء، يواجهون صعوبة في تصور خروجها من الحياة العامة، إذ ينظر إليها من قبل الكثيرين على أنها اليد الماهرة التي أبحرت بألمانيا وأوروبا، والعالم أحيانا، عبر الأزمات، فمن يستطيع أن يملأ مكانها؟

تأمل ستة أحزاب رئيسية في الإجابة عن هذا السؤال. وفي الوقت الحالي، ووفقا لآخر استطلاعات الرأي، فإن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، والاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل، وحزب الخضر، هم المتنافسون الثلاثة الأوائل. لكن لا أحد يستطيع أن يحكم بمفرده. وبغض النظر عن النتيجة، فإن جدول أعمال الحكومة الائتلافية المقبلة سيكون ممتلئا. والفرص أمام ألمانيا كبيرة، والتحديات أيضا، وهي تعكس الصعوبات المتزايدة أمام بلد لم يتوحد إلا منذ ما يزيد قليلا عن 30 عاما، فهل سيتمكن قادته الجدد من تحديد مسار جديد للبلاد؟ أم أنهم سيستمرون في المسار الذي حددته ميركل؟

 

حقبة ميركل

لم يكن من المفترض أن تستمر ميركل هذه المدة الطويلة، فابنة القس اللوثري التي ترعرعت في ألمانيا الشرقية، قوبلت بالتشكيك عندما أصبحت مستشارة لأول مرة، عام 2005. وعلى الرغم من أنها شغلت العديد من المناصب الوزارية الفيدرالية طوال التسعينيات بفضل رعاية المستشار السابق هيلموت كول، كانت ميركل، عالمة الفيزياء، مجتهدة ودقيقة، يعرف عنها قدرتها على تشريح أي مشكلة علميا إلى مكوناتها، وقد تمكنت من استثمار هذا النهج الهادئ والبراغماتي والعقلاني كأعظم رصيد لها، وأصبحت سياسية كبيرة. لقد لقد فرضت حضورها المتواضع على نظرائها الذكور، وأصبح افتقارها للكاريزما أكثر سماتها جاذبية.

أحد الموروثات السياسية الرئيسية لميركل بصفتها مستشارة هو أنها نقلت الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بشكل مباشر إلى وسط الطيف السياسي في ألمانيا، وهو حزب يشكل الفصيل الرئيسي في يمين الوسط، لكنه في ظل حكم ميركل غالبا ما كان يتبنى أهم بنود جدول أعمال منافسيه من اليسار. وكان أبرز مثال على ذلك قرار ميركل بالتخلي التدريجي عن الطاقة النووية بعد كارثة محطة فوكوشيما النووية، عام 2011. ولطالما كان نزع الأسلحة النووية من قطاع الطاقة أحد الشعارات الرئيسية لحزب الخضر. كررت ميركل هذا النمط في مواضيع مثل إلغاء التجنيد العسكري، ورفع الحد الأدنى للأجور، وفي تعاملها مع جائحة فيروس كورونا.

على المسرح العالمي، برزت ميركل كزعيمة الأمر الواقع لأوروبا، إذ استخدمت الأساس الاقتصادي القوي لألمانيا لإدارة العلاقات الأمنية والاقتصادية في القارة. كما عملت على إيجاد حل وسط بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، مع إعطاء الأولوية للاستقرار في محاولة لتجنب المواجهات التي تنتج انقسامات شبيهة بالحرب الباردة. كانت استراتيجيتها تقوم على التوازن، فالصين هي أكبر شريك تجاري لألمانيا، لكن حكومتها مع ذلك ضغطت على بكين، ولم تسمح لشركة “هواوي” الصينية بتوفير مكونات شبكات “الجيل الخامس” الأساسية للبنية التحتية للاتصالات في ألمانيا. وبالمثل، وسعت ميركل العلاقات الاقتصادية والطاقة مع روسيا، لا سيما من خلال مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم2، لكنها التزمت بالعقوبات على روسيا في قضية جزيرة القرم، عام 2014، وقدمت ملاذا لزعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني. في الوقت نفسه، كانت ميركل شريكا رئيسيا للعديد من الرؤساء الأمريكيين الذين تولوا مناصبهم خلال فترة ولايتها، وعملت كجسر بين واشنطن وموسكو، حتى مع تدهور العلاقات بين الطرفين. ومع ذلك، يرى معظم الألمان أن الإرث الأهم لميركل هو نجاحها كمديرة للأزمات، فخلال أزمة الديون الأوروبية، عام 2009، تم الترحيب بمعالجة ميركل لبرنامج إنقاذ الاتحاد الأوروبي لليونان باعتباره صعبا ولكنه ضروري. وعندما أصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، شعر الكثيرون أنها ملأت الفراغ في القيادة عبر الأطلسي.

والمثال الأوضح على قيادة ميركل جاء وسط الاضطرابات السياسية لأزمة اللاجئين عام 2015. عندما وصل مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين، من سورية والعراق وأفغانستان بشكل أساسي، إلى أوروبا. لقد منعتهم المجر في البداية من التوجه غربا، لكن ميركل بإعلانها الشهير “يمكننا القيام بذلك”، كرست نهجا أوروبيا تجاه الأزمة. بدأت ألمانيا باستقبال آلاف طالبي اللجوء المحاصرين في المجر، واستقبلت ما يقرب من 890 ألف لاجئ بحلول نهاية عام 2015. في البداية، قوبل قرار ميركل بالكثير من الضجة في جميع أنحاء ألمانيا والعالم. لقد جعلت من بلدها نموذجا يُحتذى، لكن ذلك لم يدم طويلا. فبعد إلقاء اللوم في الاعتداء الجسدي والسرقة في كولونيا على رجال “شمال أفريقيا وعرب”، انزعج بعض الألمان من سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها ميركل. بدأ الجمهور في التعبير عن مخاوفه بشأن تكلفة دمج الوافدين الجدد وقدرتهم على الاستيعاب، ووجد أولئك الذين لديهم أعمق المخاوف تجاه سياسات ميركل ملاذا جديدا في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف.

قال منتقدوها أنها سمحت بظهور حزب يميني شعبوي يمكن أن يكون منافسا حقيقيا في الانتخابات، والألمان المحافظون الذين لا يحبون ميركل وجدوا هذا البديل. تأسس حزب “البديل من أجل ألمانيا”، عام 2013، كحزب مناهض للاتحاد الأوروبي، وعارض اليورو وخطة الإنقاذ اليونانية، وتحول إلى معارض قوي لسياسات الهجرة لميركل، إذ تبنى شعار “ألمانيا للألمان. وفي الانتخابات التالية، عام 2017، انخفض الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمقدار 8.6 نقطة مئوية، بينما تجاوز حزب البديل من أجل ألمانيا عتبة خمسة في المائة المطلوبة لدخول الحزب إلى البوندستاغ.

ثمة جوانب أخرى من إرثها السياسي تعرضت للانتقاد أيضا، حيث يجادل العديد من منتقديها بأنها، بدلا من استخدام الأزمات من أجل التغيير، غالبا ما أعادت ألمانيا إلى الوضع السابق. لقد سايرت الجمهور الألماني في البحث عن حلوله المفضلة لمشاكل السياسة، وبالتالي، لم تظهر أبدا قيادة حقيقية. ويُنظر إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي أيضا على أنه يتبنى “سياسة المسنين”، مهملا الأجيال الشابة التي غالبا ما خاب أملها. ويؤكد الكثيرون أن ألمانيا لا تزال بيروقراطية وعفا عليها الزمن وبحاجة إلى الرقمنة لتقديم الخدمات العامة عبر الإنترنت. ولا يزال آخرون يقولون أن ميركل ليس لديها أي مبادئ حقيقية، وأنها مجرد انتهازية لا تهتم إلا بسلطتها. بالنسبة لهم، فإن فترة حكمها التي استمرت 16 عاما هي دليل على أنها، في الكواليس، اتبعت أسلوبا سياسيا صارما لإبعاد المنافسين المحتملين تاركة حزبها بدون وريث واضح.

بعد نتائجه السيئة في انتخابات 2017، خضع الاتحاد الديمقراطي المسيحي لنقاش داخلي حول الاتجاه المستقبلي للحزب. أصبحت الإجابة واضحة بعد عام، عندما أعلنت ميركل أنها ستتنحى عن منصب زعيمة الحزب، وتم استبدالها بإحدى مساعداتها، أنيغريت كرامب – كارينباور.

الترويج لأنيغريت كرامب – كارينباور يشير إلى أن الحزب ينوي اتخاذ منعطف طفيف إلى اليمين. ومع ذلك، فإن عهدها لم يدم طويلا. حيث استقالت بعد عام واحد فقط بسبب مزاعم بأنها تفتقر إلى الجاذبية الوطنية، وتم استبدالها في النهاية بميركيلي آخر، هو أرمين لاشيت، الذي هو الآن مرشح الحزب لمنصب المستشارة.

لكن سجل لاشيت في رئاسة الاتحاد المسيحي كان مخيبا للآمال أيضا، وعلى الرغم من أنه تصدر استطلاعات الرأي طوال الصيف، إلا أن فضائح الفساد الأخيرة تركته يتعثر، ولم يقدم الحزب من يوازي ميركل في الكفاءة. نتيجة لذلك، يمكن أن يجد الاتحاد الديمقراطي المسيحي نفسه في المعارضة لأول مرة منذ سنوات طويلة.

 

المعارضون
ربما يجد الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الشريك الحالي لميركل في الائتلاف، لحظته المناسبة لكسب الناخبين الألمان. تاريخيا، مثل الحزب، وهو أقدم حزب سياسي في البلاد، الطبقة العاملة، ودافع عن برامج اجتماعية قوية. ولكن مع تغير طبيعة العمل نفسه، تقلصت قاعدته تدريجيا، وفي العقد والنصف الماضيين، عانى من السلبيات السياسية كونه الشريك الأصغر في ثلاثة من أربعة “تحالفات كبرى” بقيادة ميركل، لم يحقق منها إلا القليل من المكاسب.

أولاف شولتز، مرشح الحزب الوسط لمنصب المستشار ونائب المستشار الحالي ووزير المالية الفيدرالي، يعمل على قاعدة مستوحاة من ميركل في الكفاءة والخبرة والاستقرار. طوال معظم فترة الحملة، ظلت نسب الأصوات الخاصة بالحزب الاجتماعي الديمقراطي متدنية، مثل العديد من أحزاب يسار الوسط في الديمقراطيات الغربية؛ ومع اقتراب موعد الانتخابات واضطراب المنافسين، استفاد المخزون السياسي للحزب الاجتماعي الديمقراطي. لكن حفاظه على ذلك أمر غير مؤكد.

في المقابل، كان أداء حزب الخضر أسوأ مما كان متوقعا. فالحزب الذي كان يوما ما راديكاليا خفف بشكل تدريجي من مواقفه للتركيز على الحكم والبراغماتية، مع ظهور فصيل وسطي – الريالوس – لتحقيق التوازن مع النهج المتشدد. ونظرا لأن قاعدة الحزب أصبحت أكثر اتساقا بشكل متزايد، حاول الحزب محاباة الطيف السياسي، وخاصة أن قضية تغير المناخ أصبحت الشغل الشاغل للكثير من الألمان، حيث بدأت نسبة من الناخبين المحافظين المهتمين بالبيئة في رؤية حزب الخضر الخيار الأفضل .

لكن حظوظ حزب الخضر ربما تكون قد بلغت ذروتها في وقت مبكر جدا، فبعد اختيار أنالينا بربوك كمرشحة لمنصب المستشارة، صعد حزب الخضر إلى قمة استطلاعات الرأي، لكنه فقد هذا الزخم عندما بدأت بربوك تعاني من العديد من الفضائح، ليتساءل الكثيرون عما إذا كانت بربوك، التي تبلغ من العمر 41 عاما فقط، ولم تتول وزارة فيدرالية، ولم تشغل منصب وزيرة دولة، لديها الخبرة المطلوبة لتصبح مستشارا في مثل هذه اللحظة المفصلية. مع ذلك، من المتوقع أن يؤدي حزب الخضر أداء جيدا في يوم الانتخابات.

لقد أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا “الحزب المعارض” الجديد، إذ اكتسب زخما خارج معقله في ألمانيا الشرقية، في جميع الولايات الست عشرة. لكن جميع الأحزاب الوطنية الكبرى تعهدت بعدم التحالف معه، لكن يبدو أن أعضاءه يستمتعون بكونهم معارضين للجميع. لقد ظلت أرقام استطلاعات حزب البديل ثابتة منذ عام 2017، وتدور حول 10%، بانخفاض طفيف عن نسبة 12.6% التي فاز بها في انتخابات ذلك العام. في بداية جائحة الفيروس التاجي، دعم حزب البديل إجراءات الإغلاق، بل وأدان رد الحكومة الفيدرالية المتأخر. ولكن بمجرد اتخاذ تدابير أكثر صرامة، انقلب على موقفه تدريجيا، إذ أيد صراحة المتظاهرين المناهضين للأقنعة وللإغلاق، واعتمد الشعار الجديد: “ألمانيا، لكن طبيعية”؛ وفي حين أن من غير المرجح أن يكون شريكا في حكومة ائتلافية، فإن مزيجه المميز من القومية والمحافظة الاجتماعية ودعم إعادة التوزيع الاقتصادي سيكون قوة لا يستهان بها في المستقبل.

على الطرف الآخر من الطيف السياسي، حافظ الحزب الديمقراطي الحر – المعروف باسم “الليبراليين” – على زخمه منذ عام 2017، عندما تمكن من مضاعفة حصته في التصويت إلى 10.9%. وبصفته حزبا ليبراليا اقتصاديا واجتماعيا، فهو تحالف صغير لأصحاب الأعمال والمهنيين والناخبين مع تفضيل سياسات عدم التدخل. زعيمه الكاريزمي والحيوي هو كريستيان ليندنر الذي يفتخر بعدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وإذا تجاوز الحزب عتبة الـ 5%، مرة أخرى في تصويت هذا الشهر، فقد يلعب دورا في تشكيل الائتلاف الحاكم المقبل.

أخيرا، تم تعيين حزب اليسار، على مكانته الحالية في البوندستاغ. وهو قد تشكل في عام 2007 من اندماج حزب الاشتراكية الديمقراطية، الحزب الماركسي اللينيني السابق الذي حكم ألمانيا الشرقية، وأحزاب يسارية متطرفة. يقع معقل اليسار في الشرق، لكنه تمكن من كسب مؤيدين في جميع أنحاء ألمانيا كمعارض للأحزاب التقليدية. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون غير مرتاحين لعلاقات الحزب السابق بالعهد السوفييتي.

 

ماذا عن المستقبل؟!

على الرغم من صعوبة التنبؤ بالتشكيل الدقيق للحكومة الائتلافية التي ستتشكل بعد انتخابات 26 أيلول، إلا أن هناك بعض السيناريوهات المحتملة. قد يكون “تحالف جامايكا”، الذي كثيرا ما يتباهى به، والذي يتألف من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والخضر والحزب الاجتماعي الديمقراطي، والذي تشبه ألوانه الحزبية علم الدولة الجزيرة، هو الائتلاف المحتمل، إذا كان لاشيت يستطيع تحسين الأرقام الحالية للاتحاد الديمقراطي المسيحي وإذا كان بإمكان حزب الحرية والتنمية التوفيق بين اختلافاته مع حزب الخضر. إن التحالف اليساري النقي “الأحمر والأحمر والأخضر” المكون من الحزب الاجتماعي الديمقراطي واليسار والخضر هو احتمال آخر، إذا كان للحزب الاجتماعي الديمقراطي أداء قويا بشكل خاص.

لكن بغض النظر عن الأحزاب التي ستشكل الحكومة المقبلة، فإن نجاحها سيتوقف على عملها، وسيكون أول اختبار للحكومة سعيها إخراج البلاد من جائحة الفيروس التاجي. ووفقا لوزير الصحة الفيدرالي، تم تلقيح حوالي 61.2% من الألمان. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن التطعيمات قد استقرت، وأن المستشفيات يمكن أن تغرق بسرعة في الشتاء، عندما ينتشر الفيروس بشكل أسرع، خاصة مع ظهور متغير دلتا شديد العدوى. كما كشف الوباء عن تصدعات حقيقية في نظام الدعم الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الحكومة قدمت أموالا طارئة للشركات طوال الوباء، إلا أن العديد من الشركات الصغيرة وأصحاب الأعمال الحرة لم يتمكنوا من الحصول على المساعدة. كذلك فإن إطلاق اللقاح المبكر لم يرتق إلى مستوى الكفاءة الألمانية – ما كشف عن البيروقراطية العملاقة في البلاد واللوائح غير المرنة والغامضة، وهو أمر يتعين على الحكومة المستقبلية معالجته.

وفي السنوات القادمة، ستتاح لألمانيا أيضا فرصة للقيام بدور قيادي أكبر في الشؤون الدولية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ابتعدت ألمانيا بشكل مفهوم عن فرض نفسها بقوة شديدة، واختارت بدلا من ذلك التركيز على تعزيز مصلحتها الوطنية من خلال التقارب الوثيق مع التحالف عبر الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتعزيز التكامل الأوروبي ودعم الاستقرار في النظام الدولي. وهذا النهج الحذر يستدعي إعادة النظر، فألمانيا هي الدولة الأكثر سكانا والأكثر قوة من الناحية الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، ومن الممكن أن يؤدي اتباع نهج أكثر قوة، إذا تم تنفيذه دبلوماسيا، إلى الارتقاء بأوروبا، إذ يحتاج كل من الاتحاد الأوروبي والناتو بشدة إلى الإصلاح وألمانيا في وضع جيد لتوفير القيادة الأوروبية اللازمة.

ستحتاج القيادة السياسية الألمانية الجديدة أيضا إلى إعادة ضبط علاقاتها الحالية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، ففي حين سعت ميركل إلى تحقيق التوازن، سيتعين على الحكومة القادمة اتخاذ قرارات ستجبرها على الانحياز إلى جانب دون آخر على رقعة الشطرنج الدولية. لقد بدأ العديد من الألمان التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة، بالنظر إلى تشكك ترامب في أوروبا وتعامل الرئيس الحالي جو بايدن مع الانسحاب من أفغانستان. وقد تبدأ ألمانيا إظهار خط أكثر استقلالية، ومواجهة طوفان من التحديات الشائكة، ويمكن للحكومة القادمة أن تعود بسهولة إلى أسلوب منتصف الطريق الذي تبنته ميركل، ولطالما فضل الناخبون الألمان تاريخيا الاستقرار على التجارب. ولكن ليس هناك شك في أنه مع توجه ألمانيا إلى صناديق الاقتراع، سيكون لإرث ميركل وحكم الجمهور عليه تأثير مهم على مستقبل ألمانيا.