دراساتصحيفة البعث

“أوكوس” نسخة عن ناتو مصغر

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد 

لعلّ الشراكة الأمنية الثلاثية الجديدة “أوكوس” بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أشبه بنسخة من “الناتو الصغير” في المحيطين الهندي والهادي، وقد تتسبّب بسلسلة من الصدمات. وبالفعل جاء أولها ردّ فعل فرنسا القوي على خلفية سرقة عقد الغواصة منها والذي يُقدّر بقيمة 90 مليار دولار أسترالي، وأبرمته مع أستراليا، فقد انتقد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الاتفاق علناً ​​ووصفه بأنه “طعنة في الظهر”.

يسلّط التحالف الثلاثي الجديد الضوء على الأصل “الأنغلوساكسوني” وذلك سيجعل جميع حلفاء الولايات المتحدة الآخرين يشعرون بنظام المسافة والقرب من واشنطن، فقد اعتادت “العيون الخمس” في حلف الناتو -المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا- أن تكون تحالفاً داخل التحالفات الخارجية للولايات المتحدة، ولكن حتى تلك “العيون الخمس” لم يتبقَ منها سوى العيون الثلاث، إضافة إلى تأخر الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا عن قائمة الولايات المتحدة.

منذ وقت ليس ببعيد كانت الولايات المتحدة تضغط بجدية من أجل تشكيل رباعي بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا من أجل التعاون البحري فيما بينها بعد كارثة تسونامي في المحيط الهندي عام 2004، ولكن بالمقارنة مع “أوكوس” يبدو أنه تمّ تهميش ذلك الرباعي، وهاهي الولايات المتحدة تشارك أستراليا تكنولوجيا الغواصات النووية الخاصة بها التي طالما حلمت الهند بها.

إن الشراكة الجديدة “أوكوس” تكشف عن افتقار الولايات المتحدة للثقة في إستراتيجيتها المتمثلة في شدّ أي دولة لجبهة موحدة مناهضة للصين، وواشنطن تدرك أن تلك الإستراتيجية تستهلك الكثير من الطاقة، لذلك أرادت أن تجعل من أستراليا مثالاً “للكلب المخلص” ليكون عبرة للبقية من الدول بأن من يسمع كل ما تقوله الولايات المتحدة سيحصل على الغواصات النووية مثل أستراليا، وهذه عملية مربحة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة نفسها.

لطالما وضعت واشنطن مصالحها الخاصة أولاً، وتبذل قصارى جهدها للعب لعبة ضد الصين، وهي تطالب الدول الأخرى بتعظيم دورها ومناصرتها. ومع ذلك فإن مصالح الولايات المتحدة الخاصة مع الصين معقّدة ويصعب قطعها، وهناك أيضاً العديد من البلدان المحايدة التي تعيش بطريقة العولمة، وهكذا أصبحت واشنطن نفسها تشعر بالدوار والقلق بشأن المكاسب والخسائر في علاقات المصالح المعقدة هذه!.

ولكن ما الذي تريد الولايات المتحدة فعله حقاً في اتفاق “أوكوس”؟ وهل سيساعد هذا الاتفاق في تحقيق هدف بايدن في تنظيم جبهة موحدة ضد الصين؟. لقد توضحت الإجابات عن تلك الأسئلة في مدى غضب فرنسا وارتباك الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد خيبة الأمل المستمرة بشأن قرار الولايات المتحدة الأحادي الجانب بسحب القوات من أفغانستان، ومن الصعب القول إن إستراتيجية تحالفها منتصرة بالنظر إلى شعور العيون المهملة -كندا ونيوزيلندا- إضافة إلى الهند التي أصبحت أكثر تهميشاً.

إن جلّ ما تريده الولايات المتحدة الآن هو أن تنفصل جميع الدول عن الصين اقتصادياً وأن تواجه الصين عسكرياً، ولا يمكنها تحقيق ذلك، لذا فهي تبذل جهوداً كبيرة في لعب الحيل والخداع، وإذا بقيت على عنادها بشنّ حرب باردة، ولم تتبع قوانين عصر العولمة، فستدفع الثمن باهظاً ولن يرحم التاريخ قباحة أفعالها.