مجلة البعث الأسبوعية

سورية والأردن : من الموك .. إلى التعاون الحدودي ..

د. مهدي دخل الله

بعد سياسة «النأي بالنفس» اللبنانية وقدوم وفد رسمي لبناني إلى دمشق , اضطر الأردن للتخلي عن سياسات «الموك» . هذا تحول نوعي سببه ليست «هداية ربانية» نزلت على «أشقائنا» الرسميين في البلدين , وإنما السبب الأساسي والوحيد هو في تصدي سورية المدهش لأبشع حرب عرفها التاريخ المعاصر , حرب جمعت كل أنواع العدوان والإحتلال والإرهاب , وجميع أنواع الحروب , دفعة واحدة ضد بلد صغير لم يعتد على أحد ، ذنبه الوحيد أنه يرفض التبعية ..

كانت «الموك» مطبخ العدوان على الشعب السوري الذي لم يبخل على أشقائه العرب يوماً في أي تضحية أو عطاء . نعم إنها مِنّهّ مع تشديد النون وقولها بصوت مرتفع . قبل سنوات كٌنتَ نادراً ما تجد في الأردن وزيراً أو سفيراً أو طبيباً أو مهندساً غير متخرج من جامعة دمشق . أي أن الكوادر هناك درست على حساب دافع الضرائب السوري . وهذا غيض من فيض ..

غرفة الموك سيئة الصيت كان يديرها ضباط إسرائيليون مع وجود ضباط أردنيين وسعوديين وقطريين (مجرد فلكلور) . وكانت تعمل في جنوب سورية وفي مابعد الجنوب وما بعد بعد الجنوب وصولاً إلى الغوطة , وربما إلى القلمون ، بهدف إخضاع هذا البلد الذي يقدس شعبه الاستقلال الحقيقي .. استقلال القرار.

لم نسمع من جماعة «النأي بالنفس» أي اعتذار , كما لم نسمعه من الذين استضافوا الموك على الرحب والسعة . أتساءل بحرقة وألم : إلى أي مدى يستطع صدر السوريين أن يتسع وقد بلغ عرضه أمتاراً ؟.. إلى أي مدى سنبقى عاضّين على جرحنا ونعفو ثم نعفو ونتعامل بطيبة وتسامح لا حدود لهما مع أشقائنا الرسميين العرب وكأنهم مجرد أطفال لا يدرون ما يفعلون ؟..

إلى متى سنتعامل مع هؤلاء الصغار وكأنهم مجرد تابعين لا حول لهم ولا قوة ؟.. إلى متى ستتحمل الأمهات السوريات الثكالى اللواتي خسرن فلذات أكبادهن على أرض لبنان دفاعاً عن وحدته واستقلاله , والذين خسرن أبناءهن في الجنوب بسبب عدوان الموك ؟؟..

قد تكون للحكومة السورية أسبابها في التعامل مع المسؤولين العرب , وهذا حقها وواجبها فعندها معايير محددة كدولة , لكن الجرح في صدور السوريين لا يزال مؤلماً . إن عزاءنا أن مسؤولي الدول العربية ورسمييها , كلهم , مجرد تابعين لا حول لهم ولا قوة , وقد حولوا دولهم إلى ورقة خريفية صفراء تلعب فيها أعاصير السياسة الدولية كيفما تشاء .

لذلك عندما يقوم هؤلاء بأي تصرف تجاهنا – سلباً أو إيجاباً – نفهم الأمر كرسالة من أسيادهم في العاصمة الأمريكية . فسورية لا تتعامل إلا مع الأسياد ولا تتلقى رسائل إلا من الأسياد .

سورية تزداد ثقة بالعروبة وتعلم جيداً أن الشعوب العربية بدأت تتساءل كيف استطاعت الدولة السورية الصمود بينما دولهم وقياداتهم تأتيهم القرارات معلبة من الخارج ؟ في سورية نعلم أن من أهم أهداف الحرب علينا هو دفعنا كي نكفر بالعروبة .. بالمقابل من أهم معالم انتصارنا هو أن نزداد تمسكاً بالعروبة …