تحقيقاتصحيفة البعث

القلة والإشاعات تطارد زيوت القطن.. و”زيوت حلب” تنفي وتأمل بإنتاج كميات كبيرة

رغم نفي السورية للتجارة لإشاعة احتواء زيوت القطن التي طُرحت في صالاتها على مادة الجوسيبول الموجودة في أجزاء نبات القطن بما فيها البذور، السامة للإنسان والحيوان والمدمّرة للكبد والمسبّبة العقم، وبالتالي اعتبارها مادة قاتلة للحشرات تتواجد بكثافة، فإن المواطن ما يزال يتفاعل مع الإشاعة ويصدقها بشدة من خلال تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتقد أن هذا مردّه إلى التباعد وكثرة الوعود التي زعزعت ثقة المواطن بالكثير من الجهات العامة، وفي الوقت نفسه يتابع المواطن محاولاته اللاهثة للحصول على هذا النوع من الزيوت الذي وصل سعر الليتر منه إلى 5500 ليرة إن وجد!.

بمواصفات عالمية

مدير عام شركة زيوت حلب رامي فخرو أكد أن معالجة زيوت القطن في معامل الزيوت التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية تتمّ وفق ضوابط ومعايير متعلقة بالحرارة العالية التي يتعرّض لها المنتج، ابتداء من مرحلة معالجة بذور القطن وانتهاء بمرحلة التعليب، مشيراً إلى أن هذه الحرارة كفيلة بالقضاء على مادة الجوسيبول الموجودة في بذور القطن، نافياً بذلك صحة ما تمّ طرحه على صفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً لجهة احتواء زيت القطن الذي تمّ طرحه في الأسواق على تلك المادة السمية، مبيناً أن المنتج يتمّ تحليله من قبل مخبر الشركة، وأنه يحق لأي مستلم للزيوت التي تنتجها الشركة تحليلها في أي مختبر يختاره، منوهاً بأنه ومنذ 30 سنة وحتى تاريخه، لم يسبق تلقيهم لأية شكوى تتعلق بجودة منتجاتهم من زيت القطن، أو احتوائها على مواد سامة أو ضارة.

وبرّر فخرو سبب عدم وجود تحليل للمادة المذكورة في مختبراتهم بأن هذه المادة تتلاشى مع الحرارة العالية خلال المعالجة بنسبة 100%، وبالتالي لا داعي للتأكد من وجود آثارها بواسطة التحاليل –وفق قوله-، وتقتصر التحاليل على درجة اللون، ونسبة الرطوبة، والحموضة، ودعا فخرو أي شخص لديه الشك بالمنتج لتحليله لدى أي مخبر يختاره للتأكد من خلوه من المادة المذكورة، وأبدى استعداده لوضع هذا التحليل ضمن التحاليل اللازمة للتأكد من سلامة المنتج في حال كان ذلك ضرورياً.

وأشار فخرو إلى أن زيت القطن هو ثاني أجود أنواع الزيوت بعد زيت الزيتون من خلال قيمته الغذائية العالية، وتحمّله لدرجات حرارة عالية جداً، كما أنه ينافس جميع الزيوت في انخفاض سعره، وحتى سعر مثيلاته من زيوت القطن المنتجة من قبل القطاع الخاص، وسبق أن تمّ تصديره للعديد من البلدان الأوروبية التي تعتمد تحاليل مخبرية دقيقة في فحص أي منتج يدخل أراضيها، ولم يسبق أن أثاروا أية معلومات تشكك بجودة أو مواصفات أو سمية هذا المنتج.

موسم وفير

من الملاحظ أننا نواجه قلّة في حجم الإنتاج من زيوت القطن رغم ما يُشاع عنها من مضار، وهنا يوضح فخرو أن سبب ارتفاع سعر زيت القطن مردّه لقلة المعروض تبعاً لقلة الكميات المسلمة للشركة في الموسم الماضي، والتي اقتصرت على 2000 طن من البذور، ومن المتوقع لهذا الموسم وفقاً للإحصائيات المتعلقة بالأراضي المزروعة بالقطن أن يتمّ تسليم كمية من 60- 65 طناً من بذور القطن للقطاعين العام والخاص، وذلك في حال لم تتمّ المضاربة على الموسم وتهريبه من قبل ميليشيا قسد الانفصالية كما حدث العام الماضي، ومع ذلك تسعى الشركة للاستفادة من طاقتها التشغيلية بأي شكل ممكن عبر الإعلان الداخلي عن تكرير الزيوت النباتية، أو استقبال بذور مستوردة من قبل القطاع الخاص، إلا أنه وللأسف لم يتقدّم أي عارض حتى تاريخه نتيجة وجود إشكالات تتعلق بتذبذبات الأسعار في السوق وعدم استقرارها، مشيراً في هذا السياق إلى معاناة الشركة من قلّة عدد العمال في معمل النيرب الذي يحتاج إلى 500 عامل حيث يوجد حالياً 150 عاملاً فقط يتمّ تشغيلهم وردية ونصف، والتعويض عليهم بنسبة عملهم أصولاً.

التحليل ضروري

إن المعالجة الحرارية بالبخار أو غيره، وبدرجات حرارة عالية لا تقلّ عن 180 درجة، ولزمن معيّن لا يقلّ عن 28-30 دقيقة كفيلة فعلاً بالقضاء على الأثر السميّ لمادة الجوسيبول الحر ذات الخصائص الفينولية لتحويل تلك المادة إلى “مقيدة”، ولكن مع ذلك فقد شدّد الكيميائي خلدون رمضان رئيس قسم مخابر الأعلاف في وزارة الزراعة على ضرورة قياس هذه المادة في منتجات بذور القطن سواء المعدّة للاستهلاك البشري المباشر كالزيوت بالطرق التحليلية الكيميائية بعد إتمام عمليات معالجتها حرارياً، حيث يجب الاستعانة بمخابر وزارة التموين، أو العمل على إدخال هذا الفحص ضمن مخابر شركات الزيوت. وذكر رمضان أنه يتمّ فحص المنتجات المعدّة للاستهلاك الحيواني كعلف من قبل مخابر وزارة الزراعة كون اللحوم الحيوانية ستستهلك من قبل الإنسان، ووجود هذه المادة فيها سيضرّ بالجسم.

تكرير وحرارة

إن الإشاعات الكثيرة والمتكررة حول موضوع زيوت بذور القطن، هدفها الإساءة لمعامل القطاع العام عموماً، وإيقاف معامل زيت بذور القطن خصوصاً، ويبدو أن وراء تلك الإشاعات مجموعة من المستفيدين من عمليات استيراد الزيوت النباتية، خاصة وأنها تباع ضمن سورية بأسعار تفوق سعرها في جميع الأسواق العالمية دون تقديم أية مبررات واضحة من الجهات المعنية. ويستغرب الخبير الصناعي محمد الحسين سرعة تفاعل المواطن مع تلك الإشاعات دون اللجوء إلى أهل الاختصاص، أو أية جهات علمية أو مسؤولة عن السلامة الغذائية، ويضاف ذلك إلى جميع العمليات السابقة لإفشال زراعة القطن كمحصول استراتيجي وتصديري، وسرقة وتهريب المحصول من الميليشيات الانفصالية في الشمال الشرقي لسورية، وغيرها من مخططات تدمير وإجهاض الصناعة السورية. وأشار الحسين الذي عمل حتى تقاعده في شركتي زيوت حماة وحلب، وشغل منصب مدير مالي وتجاري في معمل زيوت حلب إلى أن زيت بذور القطن من أجود الزيوت التي تستخدم ساخنة، ويتحمّل درجة حرارة 175 مئوية قبل تبخره، في حين تتبخر بقية الزيوت النباتية عند درجة حرارة 125 مئوية، وبيّن في دراسة أعدّها سابقاً وأرسلها إلينا أن زيت بذور القطن الأحمر (الخامي) لا يمكن استخدامه في الطعام بشكل مباشر، إلا بعد خضوعه لعدة عمليات تنقية بهدف إزالة كافة الشوائب، وإزالة أخطر مادة من تلك البذور وهي مادة الجوسيبول التي تعدّ مادة سامة وتستخدم كمبيد حشري، حيث تتمّ معالجة الزيت عبر عدة عمليات تعديل هي التعديل القلوي، والتبييض، وإزالة الرائحة، بل وذهب الحسين إلى أن مادة الجوسيبول تتمّ إزالتها من المواد الناتجة من بذور القطن حتى لو كانت ستستخدم كعلف حيواني كونها تسبّب تسمّم الحيوانات إذا وجدت بنسب مرتفعة، ويتمّ هدم وتفكيك هذه المادة بسهولة من خلال تعريضها للرطوبة، أو الحرارة العالية، كما أن رقائق البذور الزيتية توضع أثناء مراحل صنع زيت القطن ضمن الغلايات (الطباخات) تحت ضغط 6 بار، ولمدة زمنية من 80- 120 دقيقة، وبدرجة حرارة تصل من 95-108 درجة مئوية، والحرارة مع الزمن كفيلان بالتخلص من مادة الجوسيبول السامة، وأية مواد، أو جراثيم ضارة قد تحويها تلك البذور، كما أنه وخلال تسخين الزيت لتنقيته من المواد المسبّبة للرائحة يتمّ تسخينه من 250- 255 درجة حرارة مئوية، وهذه الدرجات كفيلة مرة أخرى بالقضاء على أي أثر لمادة الجوسيبول السامة وآثارها، ويخضع الزيت لعمليات تبييض اللون التي تهدف لإزالة أكبر كمية من المواد الصناعية من الزيت ليصبح مقبولاً للمستهلك، ويخضع للعديد من عمليات التنقية والتكرير من الشوائب ليصبح مناسباً وصالحاً للاستهلاك البشري، حيث يتمّ تعديله وتنقيته كيميائياً لإزالة الحموض الدسمة، والتعديل بأجهزة الطرد المركزي.

دراسة اقتصادية

وفي سياق آخر للموضوع لفت الخبير الحسين إلى الأهمية الاقتصادية العالية جداً لبذور القطن، ودعا في الدراسة للمحافظة عليها كمادة أولية وطنية كونها تدخل في الكثير من الصناعات الأخرى المهمة، حيث تستخدم قشورها والزغب أو(لنت) واللب في صناعة الكسبة التي تحوي قيمة عالية من البروتين الحيواني، أو كغذاء للحيوانات، وتستخدم كوقود، وفي صناعة الألواح العازلة، والغليسرين، ومساحيق الغسيل، وتدخل في صناعة الجلد الصناعي، والصابون، والأثاث، وتحبيش الطرود، وفي بعض الصناعات الصوفية كالقبعات واللباد، وصناعات الورق، والدهانات، والأفلام والحرير الصناعي والورق.

بشار محي الدين المحمد